إشكاليّة دستوريّة وإقتصاديّة.. هل من حقّ الحكومة التشريع الجمركي؟


أخبار بارزة, خاص 22 آب, 2023

هي ليست المرّة الأولى التي يفوّض فيها المجلس النيابي الحكومة مهمّة التشريع في الحقل الجمركي، فقد دأبت الحكومات المتعاقبة على الطلب من المجلس النيابي منحها سلطة التشريع في الحقل الجمركي

كتبت باولا عطيّة لـ”هنا لبنان”:

في عصر “إفراغ المناصب من حاكميها الفعليين” أو “الحكم بالإنابة” إذا صحّ التعبير، تدخل حكومة تصريف أعمال الدولة، المستلمة بالوكالة مهام رئيس الجمهوريّة الغائب، مجال التشريع، من باب الدولار الجمركي، بعد موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون يعطي الحكومة حق التشريع الجمركي، في ظلّ شلل مجلس النوّاب وعدم قدرته على التشريع. وكان مجلس الوزراء قد أقرّ مشروع قانون يرمي إلى إعطاء الحكومة حق التشريع في الحقل الجمركي يوم الأربعاء 16 -8-2023، كما أقرّ مشروع قانون يرمي إلى فتح اعتماد في احتياطي موازنة 2023 قبل تصديقها. علماً أنّ الحكومة كانت في عام 2018 قد فوّضت من قبل مجلس النوّاب بحقّ التشريع في الحقل الجمركي، ضمن القانون رقم 93، والذي نصّ في المادة الأولى منه على “منح الحكومة لمدة خمس سنوات حق التشريع في الحقل الجمركي بمراسيم تتّخذ في مجلس الوزراء”، وها هي الحكومة اليوم تحاول تجديد هذا التفويض عبر إقرارها المشروع في مجلس الوزراء على أن يحوّل إلى مجلس النوّاب للمصادقة عليه.

طلب التفويض يعود لعام 1996
وتكمن أهمية هذا التفويض في أنه يمنح الحكومة حق تعديل الدولار الجمركي بالتفاهم مع حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، لأن المادة 82 من الدستور تنصّ على أنه “لا يجوز تعديل ضريبة أو إلغاؤها إلا بقانون” يصدر عن مجلس النواب. إلّا أنّه يمكن لمجلس النواب أن يفوّض الحكومة في صلاحية التشريع في الحقل الجمركي، انطلاقاً من القانون رقم /132/ تاريخ 26/10/1999.
وهي ليست المرّة الأولى التي يفوّض فيها المجلس النيابي الحكومة مهمّة التشريع في الحقل الجمركي، فقد دأبت الحكومات المتعاقبة على الطلب من المجلس النيابي منحها سلطة التشريع في الحقل الجمركي، وكان القانون رقم 592 تاريخ 26/8/1996 آخر ما صدر في هذا المجال. ولمّا كانت المصلحة العامة واستمرارية الدور الجمركي الفعّال يفرضان بقاء السلطات المختصة مهيّأة في كلّ وقتٍ لاتّخاذ الإجراءات الضرورية ووضعها فوراً موضع التنفيذ وذلك بالنظر لطابع السّرعة الذي تتّسم به التشريعات الجمركية ولطابع السرية خلال فترة دراستها وإعدادها حتى إصدارها؛ ولمّا كان من الأنسب أن يبقى التشريع في الحقل الجمركي منوطاً بالسلطة التنفيذية الممثلة بالحكومة باعتباره أداة لتحقيق سياستها الاقتصادية والمالية والإنمائية؛ لذلك أقرّ القانون رقم /132/ تاريخ 26/10/1999.
إلى ذلك، أوقعت هذه الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة، مجلس الوزراء في المحظور، الذي انقسم إلى شقّين الأوّل، دستوري، والثاني إقتصادي. فمحاولة مجلس النوّاب التهرّب من تحمّل مسؤوليته في رفع الضرائب على المواطنين، جعلت الحكومة تلتقط كرة النار، فتصبح هي في “بوز المدفع”، مخالفة دستوريّة واضحة.

مفهوم تصريف الأعمال ومبدأ فصل السلطات
في ما يتعلّق بالشقّ الدستوري، يقول النائب والمحامي سليم الصايغ في حديثه لموقع “هنا لبنان” إنّ “على الحكومة أن تصرّف الأعمال بالمعنى الضيّق للكلمة وهو ما يتّفق عليه مجلس شورى الدولة، بينما الحكومة تتصرّف كأنّ لديها صلاحيات استثنائيّة”، مضيفاً “نحن بوضع غير طبيعي ولا تستوي الأمور إلّا بقرار جدّي بانتخاب رئيس للجمهوريّة”.
وعن كون خطوة الحكومة ناقصة، حتى التئام مجلس النواب والتّصديق على المشروع أجاب “لا يحقّ لمجلس النواب أن يلتئم بحجّة تشريع الضرورة، فتحت ذريعة تشريع الضرورة هناك نوايا خبيثة، تهدف إلى إبقاء الجلسات التشريعيّة مفتوحة ولو بغياب رئيس للجمهوريّة، ما يتناقض ومبدأ فصل السلطات ويعتبر مخالفة للدستور. فمن أجل تطبيق مبدأ فصل السلطات وتعاونها يجب أن يكون هناك توازن بين هذه السلطات”.
ورأى أنّ “هناك خلطاً لعمل كلّ السلطات، فيما المنظومة تعمل دون حسيب أو رقيب، فلا أحد يراقب عمل الحكومة ومجلس النوّاب نفسه يعتدي على الدستور ونحن بذلك نخرج البلد خارج العقد الأساسي الذي وفقه بنيت السلطات والنظام الدستوري، ما يضرب عمل السلطات”.

المادّة 75 من الدستور وضرورة انتخاب رئيس
وبدوره فسّر النائب والمحامي ملحم خلف في حديثه لموقع “هنا لبنان” أنّ “نظام لبنان ولو بالظاهر هو ديمقراطي، ترعاه 3 قواعد وهي: مبدأ فصل السلطات وتعاونها، ومبدأ تداول السلطات، والرقابة والمساءلة. وبذلك يكون عمل السلطة التنفيذيّة أن تطبّق القوانين التي يصدرها مجلس النواب وتصدر مراسيم وقررات، فيما الأخير يراقب عمل السلطة التنفيذية، أمّا القضاء فيصدر القرارات والأحكام. فيما هناك بعض الاستثناءات التي قد تقتضي الحاجة فيها إلى إتمام الأمور بشكل أسرع، تطلب الحكومة القيام بمراسيم اشتراعيّة والتي لها قوّة القانون، وتعطى بتفويض من مجلس النوّاب. وعندما يفوّض مجلس النوّاب الحكومة بأمر ما، لا تكون الحكومة تتخطى الدستور انما أجيز لها أن تقوم بالعمل”.
أمّا في حال كانت الحكومة حكومة تصريف أعمال، يتابع خلف، فالمجلس النيابي ملزم بانتخاب رئيس للجمهوريّة، لانتظام الحياة العامة. وكون المجلس النيابي هيئة انتخابيّة لا يمكن أن يعمل أي عمل آخر سوى الانعقاد لانتخاب رئيس للجمهوريّة، بحسب المادة 75 من الدستور. وعليه فإذا أراد مجلس النوّاب الالتئام لقبول التفويض فعليه انتخاب رئيس للجمهوريّة بالدرجة الأولى، ومن بعدها تكليف رئيس حكومة فتشكيل حكومة جديدة”.

إشكاليّة تعدّديّة سعر الصرف
أمّا في الشق الإقتصادي فيوضّح عضو كتلة الجمهوريّة القويّة النائب رازي الحاج، في حديثه لموقع “هنا لبنان”، أنّه “من حيث الشكل، فإنّ تعدد سعر الصرف أمرٌ غير قانوني، وكذلك تحديد قيمة الرسم الجمركي بشكل عشوائي. فالأمر القانوني الوحيد يكمن في توحيد سعر الصرف، وجعله مرناً عبر خلق منصّة تعكس سعر القطع وتحدد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملة الأجنبيّة حسب العرض والطلب، على أن يكون هو السعر الثابت لأيّ تقييم للدولار الجمركي والفواتير التي تأتي بالعملة الصعبة، فتضرب بهذا الرقم”.
وشدّد الحاج على أنّ ” الدولة تحتاج إلى الكثير من الإيرادات بالعملة الصعبة ويجب أن يكون هناك بند ضمن الموازنة يحدّد الجباية للرسوم بالعملة الصعبة مع إعطاء تحفيزات لمن يدفع الضرائب بالعملة الصعبة خصوصاً في حقل الدولار الجمركي”.
وتابع “وسط كلّ ما يحكى عن تمويل الدولة وأزمة الكهرباء، الدولة تحتاج إلى تأمين مداخيل بالدولار إذ لم يعد لديها مداخيل كافية. ويجب أن تسمح بتقاضي الرسوم بالدولار ولا يمكن الحديث فقط عن سيادة بالعملة الوطنيّة في وقت حدودنا مشرّعة فيه ومعظم السلع مدولرة”.
وذكّر بأنّه “في عام 2022 طلب وزير الأشغال العامّة والنقل دفع رسوم المرفأ والمطار بالدولار، كما أنّ للدولة حساب بالعملة الصعبة (الحساب 36) ما يعني أنّ بامكان الدولة جباية رسومها بالدولار”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us