طرقات وجسور الموت في لبنان تهدّد حياة المواطنين.. فمن يتحرّك؟


أخبار بارزة, خاص 29 آب, 2023

ملايين الدولارات قد أنفقت لشقّ الطرقات وتعبيدها وبناء الجسور، إلّا أنّها جميعها هُدِرَت لمصلحة جيوب المتعهّدين المحسوبين على أحزاب سياسيّة، والذين بدورهم بنوا الجسور وشقّوا الطرقات غير آبهين بمعايير السلامة العامة


كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:

لم يخطئ اللبنانييون عندما وصفوا طرقات بلدهم بـ”طرقات الموت“، فلهذه التسمية الثقيلة أسباب لا تعدّ ولا تحصى. بدءاً من العشرات ممّن يلقون حتفهم يومياً على طرقات لبنان غير المؤهّلة حتى للمشي، وسط غياب شبه تام لإشارات السير، وزفت متآكل، وصولاً إلى الجسور المهترئة المتروكة دون صيانة أو ترميم.

رغم أنّ ملايين الدولارات قد أنفقت لشقّ الطرقات وتعبيدها وبناء الجسور، إلّا أنّها جميعها هُدِرَت لمصلحة جيوب المتعهّدين المحسوبين على أحزاب سياسيّة، والذين بدورهم بنوا الجسور وشقّوا الطرقات غير آبهين بمعايير السلامة العامة، ليتحمّلوا بذلك ذنب دماء شبابنا التي سفكت بسبب إهمالهم وتقصيرهم. حيث يكاد لا يمرّ يوم إلّا ونسمع فيه عن وقوع حادث سير على أحد الأوتوسترادات أو الطرقات، أو عن سقوط أجزاء من جسر. وكان آخرها انهيار جزء من جسر يربط مسلكي الأوتوستراد بين الهري وشكا، حيث نجا المواطنون الّذين يعبرون هذه الطريق بأعجوبة ولم تخلّف أيّ أضرار. إلّا أنّ العناية الإلهيّة قد لا تشفع دائماً لأبناء هذا الوطن، فكيف ذلك ومعظم طرقاتنا وجسورنا متروكة ومهملة، دون إضاءة، مع مطبّات عشوائيّة، وفواصل تعرّض حياة المارة للخطر بسبب عدم الصيانة، هذا عدا عن الحفر التي تتوسط الطرقات دون أيّ إشارة تحذير!

كلفة حوادث السير: 1.5 % من الناتج المحلي

وعلى الرغم من تراجع نسبة حوادث السير في لبنان منذ عام 2019 إلى عام 2022، من 5157 حادث إلى 2113 أي بنسبة 59%، إلّا أنّ السبب لا يعود لمساعي الدولة، بل لأسباب اقتصاديّة بحتة، كارتفاع سعر صفيحة البنزين، وبيع عدد كبير من المواطنين سياراتهم بسبب الوضع الماليّ الصعب، فضلاً عن ارتفاع نسب التضخّم والدولار الجمركي التي انعكست ارتفاعاً في أسعار قطع السيارات، وكلفة تصليحها.

ولكن بقيت فاتورة حوادث السير مرتفعة، من ناحية الخسائر الماديّة والبشريّة، فقد أشارت رسالة دكتوراه أُنجزت في العام 2021 في جامعة القديس يوسف في لبنان، بالتعاون مع جامعة باريس 3 (تعتمد على أرقام 2019)، إلى أن كلفة حوادث السير في لبنان تشكل بين 1 و 1.5 بالمئة من الناتج المحلي. وكانت تتراوح في السنوات التي سبقتها ما بين 2.3 و4.8 بالمئة.

وبحسب آخر الدراسات والإحصاءات، يخسر لبنان سنويّا قرابة الـ500 ضحيّة، بسبب الحوادث الناتجة عن الطرقات والجسور المهترئة.

أشهر طرقات الموت في لبنان

ومن أشهر طرقات الموت في لبنان، نذكر طريق ضهر البيدر وهو طريق دوليّ يربط لبنان بسوريا، تحاول وزارة الأشغال العامّة في كلّ عام تزفيته، إلّا أنّ الزفت على ما يبدو غير كاف، ما يحدث تشققات في الطرقات ترفع من نسب خطر الموت، فضلاً عن ترك هذا الطريق الدولي دون إنارة، فيما تتسابق الشاحنات الضخمة عليه، غير آبهة بالسيارات المارّة بجانبها، عدا عن طريقة قيادة أصحاب “الفانات” الجنونيّة، والذين لا يملك معظمهم معظمهم رخصة للقيادة.

وينضمّ إلى طريق ضهر البيدر، أوتوستراد الجنوب الساحلي، وهو بدوره طريق حيويّ يربط بين العاصمة وقرى جنوب لبنان، والذي تملأه الحفريات وسط غياب للإنارة وإشارات السير وفواصل تفتقد شروط السلامة العامة. وفي البقاع أيضاً هناك أوتوستراد زحلة، الذي تحوّل إلى مسرح لحوادث سير يذهب ضحيّتها بالدرجة الأولى طلاب الجامعة اللبنانيّة.

وحدّث ولا حرج عن أوتوستراد الموت على طريق نهر ابراهيم، وعن طريق عام عجلتون – كسروان التي تحصد عشرات الضحايا، بين قتلى وجرحى سنوياً. فيما يأتي أوتوستراد شكا والنفق المظلم دوماً ليزيد الطين بلّة. هذا ولم تسلم طرقات الشمال أيضاً من وحش الموت القاتل الذي يخطف أرواح العشرات من الشباب على جسر البالما عند المدخل الجنوبي لمدينة طرابلس.

وللمتن حصّته أيضاً من طرقات الموت، حيث ينال نصيبه من مئات الضحايا سنوياً.

جسور لبنان ليست أحسن حالاً

أمّا الجسور في لبنان فليس أفضل من الطرقات، فلهذه الأولى قصصها مع الحوادث ولعلّ أبرزها:
حوادث جسر الأشرفيّة – برج حمّود، والذي تشّكل فواصله خطراً على حياة السائقين، وينضمّ إليه جسر جلّ الديب والذي من أجل بنائه اجتزأوا خطاً من الطريق، فتضاعفت زحمة السير، وقد كلّف المشروع 12 مليون دولار، لبناء جسرين (جل الديب ونهر الموت وإصلاح طريق داخلية وتوسعتها) وليس خافياً أنّ جسر جلّ الديب الحديدي على الأوتوستراد الساحلي، يشهد تصدُّعات تهدِّدُ السلامة العامة، علماً أنّ مجلس الإنماء والإعمار كان قد وضع مشروع جسر مع محوّلاته، وأمّن التمويل اللازم لإنشائه من البنك الدولي. أمّا جسر نهر الموت للمشاة فبات يشكّل خطراً حقيقيًّا على المواطنين الذين وإن قرروا اجتياز الشارع عبر الجسر هروباً من الموت، سيتفاجأون بحافة غير ثابتة في منتصف الجسر قد تسقطهم على الأوتوستراد تحت الجسر. وكانت قد ظهرت العديد من التشققات على هذا الجسر دفعت بوزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال علي حميّة إلى التحرّك لتأهيل الجسر. ناهيك عن أنّ معظم جسور المشاة غير مزوّدة بإنارة، فيما تعجّ بالمتسوّلين والنفايات والروائح الكريهة، وكم سمعنا بسرقات وجرائم قتل حصلت على هذه الجسور في ساعات الليل؟ وآخرها جريمة الطعن بالسكين على جسر المشاة في الدورة والتي راح ضحيتها المواطن سامر دحدح.

ويضاف إلى لائحة الجسور في لبنان، جسر خلدة باتجاه انفاق المطار، والذي تتكاثر عليه حوادث السير بسبب أعمال الصيانة غير المراعية لمعايير السلامة.  وجسر الدورة المسلك الغربي والذي يذهب عليه الكثير من الجرحى في حوادث صدم. فيما سقطت في السنوات الأخيرة أكثر من سيارة من على هذا الجسر، نتيجة عدم صيانة جوانبه.

هذه ليست سوى عيّنة بسيطة عن بعض طرقات وجسور لبنان، والخطر الذي تشكّله على حياة اللبنانيين، فمن يتحمل مسؤولية الواقع المزري لهذه الطرقات؟ وما المشاكل التي تحول دون تأهيل الجسور في لبنان؟

المديريّات الإقليميّة تتحمّل المسؤوليّة

وفي هذا الإطار، أشار رئيس جمعية “تران تران” الدكتور كارلوس نفاع في حديث لـ “هنا لبنان” إنّ “وزارة الأشغال العامّة والنقل هي الجهّة المسؤولة عن صيانة الطرقات والجسور بشكل عام، وضمن هذه الوزراة هناك المديرية العامّة للطرق والمباني والتي بدورها تضم 5 مديريّات: مديريّة الطرق، مديريّة المباني، مديريّة الديوان، ومديريّة دائرة المعلوماتيّة، والمديريّات الإقليميّة (كمديريّة جبل لبنان، ولبنان الشمالي، ولبنان الجنوبي، والبقاع)، التي تعنى بصيانة الجسور دورياً، وتقع على عاتقها هذه الآليّة ضمن دائرة تعرف بدائرة صيانة الطرق. وتتضمّن كلّ مديريّة إقليميّة: دائرة تنفيذ الطرق، دائرة صيانة الطرق، دائرة صيانة المباني الحكوميّة (ما عدا تلك التابعة للجيش والقوى العسكريّة)، وقسم للاستملاك وآخر إداري، وهي منوطة بشكل مباشر بالكشف الدوري على الجسور التي تقع ضمن نطاقها الجغرافي، والكشف على العبّارات، وجدران الدعم وسائر المنشآت التابعة للطرق، ومتابعة الأعمال الدوريّة لإصلاحها . والمديريّات الإقليميّة على تماس مباشر مع المواطنين، وتتلقى شكواهم، وتعمل على إحالتها على الوحدات المتخصّصة”.

ويلفت نفّاع إلى أنّ “وضع المديريّات الإقليميّة في وزارة الأشغال مزرٍ جدًّا، كما باقي أقسام ومديريّات وزارة الأشغال، فالأخيرة تعاني من نقص حاد في عدد الموظفين، الذين يخرجون إلى التقاعد منذ أكثر من 15 سنة دون استبدالهم بموظفين جدد، كما لديها نقص بالموظفين المتخصصين، فيما كلّ المديريّات أصبحت تُدار بالتكليف، وليس لديها مدراء أصيلين، وهناك فراغ كبير بالكادر البشري داخل الوزراة ما ينعكس على نوعيّة الخدمات. بالإضافة إلى نقص الموارد في ميزانيّة وزارة الأشغال والتي هي بالليرة اللبنانيّة، وبسبب التضخّم فقدت قيمتها، وبالتالي لا يمكنها القيام بالمهمّات المطلوبة منها. فيما معدّات وزارة الأشغال بمعظمها معطّلة ولا يمكنها أن تقوم بخدمات الصيانة. إذًا الوزراة عمليّا مشلولة وعاجزة عن القيام بأيّ أعمال صيانة أو تأهيل للطرقات والجسور”.

جسور من الخمسينات بدون صيانة

ويشرح أنّ “أعمار الجسور في لبنان تتوزع على عدّة فئات، حيث هناك بعض الجسور التي تمّ بناؤها في مرحلة أوائل السبعينات، وأخرى في مرحلة الخمسينات من القرن الماضي، وهي جسور قديمة جداً وتحتاج إلى صيانة قبل الجسور التي تمّ إنشاؤها في مرحلة الثمانينات أو في مرحلة إعادة الإعمار في التسعينات. وطبعاً جميع هذه الجسور تحتاج إلى فحص دوري وتقني، وعليها أضرار ضخمة كالفواصل المتضرّرة، ومجاري المياه (المسؤولة عن تصريف مياه الأمطار وحماية الباطون)، غير الصالحة لتصريف المياه، ما يعرّض الجسور لأضرار كبيرة. والباطون الخارجي الذي يجب معالجته بموادّ خاصّة لحمايته من عوامل الطبيعة القاسية في فصلي الشتاء والصيف، هو غير محمي في جميع الجسور، ما يجعلنا نتوقّع الكثير من المشاكل على جسور لبنان كافّة”.

ويحذّر نفّاع من أنّ “إهمال الجسور والأبنية الحكوميّة والطرقات، وعدم صيانتها، سيؤدّي إلى المزيد من حوادث السير، والسلامة المروريّة، وسيتسبّب بالمزيد من الخسائر البشريّة والماديّة، فيما وزارة الأشغال لم تحلّل المعلومات وتحدّد النقاط المميتة والخطرة على الطرقات ولم تضع حلولاً. بل تتقاذف التهم التي يذهب ضحيّتها الأولى المواطن اللبناني”، مشدداً على ضرورة “وضع سياسات تؤمّن عدالة التنقّل للمواطنين وليس سياسات لنقل السيارات”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar