هوكشتاين ومدرسة كيسنجر في الديبلوماسية


أخبار بارزة, خاص 2 أيلول, 2023
هوكشتاين

هوكشتاين لا يكل ولا يمل، حين أنجز الترسيم البحري، كان الجميع يشكّكون في إمكانية أن يحقق خرقًا في جدار المفاوضات، لكنّه فعل وفاجأ الجميع.


كتب جان الفغالي لـ”هنا لبنان”:

في كل مرة كان يأتي فيها وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر إلى منطقة الشرق الأوسط، كان اليسار اللبناني يشنّ عليه هجومًا ويصفه بالـ “اليهودي الأميركي” الذي يضع مصالح إسرائيل فوق أيّ مصلحة أخرى. لم يكن كيسنجر يتوقف عند هذه الاتهامات، بل كان يثابر على جهوده في ديبلوماسية “الخطوة خطوة”، بعدما لمس أنّ لا قيمة للوقت في هذه المرحلة للمنطقة، المهم أنّ الشعوب تبقى على “حُبّ الزعيم”. على سبيل المثال لا الحصر، كانت جلسات محادثاته مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد تمتدّ لساعات، يجول فيها الرئيس الأسد في التاريخ، القديم منه والمعاصر، ويقيم المقارنات، وعند الدخول في صلب الموضوع، واعتقاد كيسنجر أنّ الأسد اقتنع بطروحاته، يفاجئه الأخير بسؤال أقرب إلى “اللغم” الذي يفجّر نتائج المحادثات، والسؤال هو: “ولكن أين القضية الفلسطينية من كل هذه الطروحات؟”
يدرِك كيسنجر عندها أنّ الرئيس الأسد أنهكه من دون أن يعطيه شيء، وهذا ما قاله كيسنجر في أحد كتب مذكراته عن مرحلة ما بعد حرب ١٩٧٣، “سامحني يا الله، إنني معجب بهذا الرجل”.
مع ذلك، وعلى رغم الإخفاقات في أكثر من جلسة محادثات مع الرئيس الأسد، استطاع كيسنجر أن يحقق عبر ديبلوماسية “الخطوة خطوة”، ما يريد تحقيقه، من انتزاعٍ لوقف إطلاق النار، فكانت حرب ١٩٧٣ آخر الحروب العربية مع إسرائيل، بمعناها الشامل.
“التهمة” التي أُلصقت برئيس الديبلوماسية الأميركية هنري كيسنجر بصفته يهودياً أميركياً، لاحقت آموس هوكشتاين بعد خمسين عامًا، واتهام هوكشتاين أسهل لأنّه قاتل في الجيش الإسرائيلي أثناء اجتياحه للبنان، لكن سياسة “الخطوة خطوة” التي انتهجها، فتحت الأبواب أمام اتفاقات من شأنها طي صفحة الحروب في المنطقة: نجح هوكشتاين في التوصل إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، لم يحرق المراحل، عاد إلى لبنان بعدما بدأ الحفر في البلوك الرقم ٩، في إشارة واضحة المعالم مفادها إلى أنّ الحفر والتنقيب يحتاج إلى هدوء واستقرار، لا إلى اضطرابات وبلبلة واستفزازات، كانت الرسالة واضحة إلى حزب الله إذ اختار هوكشتاين مناطق نفوذ حزب الله ليجول فيها: من بعلبك إلى الجنوب.
هوكشتاين لا يكل ولا يمل، حين أنجز الترسيم البحري، كان الجميع يشكّكون في إمكانية أن يحقق خرقًا في جدار المفاوضات، لكنّه فعل وفاجأ الجميع.
اليوم لا يتوانى عن ممارسة سياسة الخطوة خطوة، يقرأ عن صعوبات فيعرض التدخل، وفي قرارة نفسه يعرف أنّه سيتوصل إلى تحقيق الترسيم البرّي، تمامًا كما الترسيم البحري.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us