“متحف اقتصاد” لبناني.. عن جدارة!

متحف

كتب نيكولا صبيح لـ“Ici Beyrouth”:

كيف لم تراودنا فكرة إنشاء متحف للإقتصاد في لبنان؟ هي ليست فكرة وهمية، فهذا المتحف يوجد منه نموذج في باريس يعرف باسم “سيتيكو” (Citéco أي “مدينة الاقتصاد”).. لكن اسمه يوقظ فينا، وليس بشكل إيجابي على الدوام، صوراَ من تجاربنا الحياتية، وتفيض أيامنا بـ”التحف والأطلال” التي تستحق أن تحفظ بداخله.
يكرس مثل هذا المتحف في باريس مساحة للآثار القديمة. وفي النسخة اللبنانية، نمتلك في الأصل ما بات أشبه بالآثار على الرغم من أن هذا الواقع لا يزيد عن أربع سنوات خلت: الليرة والشيكات والبطاقات المصرفية… وأحيانًا المصارف نفسها خصوصاً بعد تجريدها من جميع وظائفها. ألا تعكس واجهاتها ذلك؟ وهي التي أبقت مع غبارها، الملصقات الترويجية أو الاعتمادات أو التسهيلات المختلفة، التي ما عادت متاحة..
في المتحف اللبناني، ألا يمكننا أيضاً تخصيص مساحة لمؤسسات الدولة، مع مراعاة تغيير ألقاب المسؤولين عنها؟ مثلاً، أمين متحف الكهرباء وأمين متحف الضمان الاجتماعي وأمين متحف الأشغال العامة وسواها؟
وبعيداً عن هذه الاستعارة المضحكة المبكية، ألا يذكرنا المتحف الباريسي بالدرجة التي ابتعدنا فيها عن الاقتصاد الحقيقي؟ الحقيقة أن “الإنتعاش البسيط” كما أسماه التجار للإشارة إلى الإرتفاع النسبي في الاستهلاك في الأشهر الأخيرة، لا يفلت بدوره حتى من سياق المتحف المذكور!
لذلك دعونا نتوقف لبرهة ونقارن تشوهات اقتصادنا الحالي بالاقتصاد الطبيعي الذي يعكسه المتحف الباريسي تاريخه. ربما سنتمكن بعد ذلك من معرفة ما يجب فعله للعودة إلى الحياة الطبيعية يومًا ما، قبل أن يصبح الإقتصاد المشوه هو القاعدة المقبولة لدى الجميع!
– أولاً، تشير بعض الأرقام والملاحظات إلى أن الانتعاش الملحوظ في الاستهلاك يرتبط بشكل رئيسي بالاستهلاك من أجل البقاء (أي منتجات السوبرماركت)، ثم ببعض الخدمات والأنشطة الترفيهية (التعليم والصحة والتموين). أما عن السلع الإستهلاكية المعمرة، فيستمر الطلب عليها بحالة السقوط الحر. ومن الأمثلة على ذلك، العقارات والسيارات وحتى المعدات المنزلية الرئيسية، باستثناء منتجات توليد الكهرباء، بحكم الضرورة: الطاقة الشمسية والبطاريات و”يو بي إس” (UPS)، إلخ.
– الاقتصاد غير الرسمي مسيطر إلى حد كبير، ويقدر بنحو 50 أو 60% وبات هو الركيزة تقريباً. هذا الوضع يعززه الإتجار بجميع أنواعه والغياب المطول لخدمات الدولة. بينما في فرنسا، لا يقدر مثل هذا الإقتصاد إلا بين 3 و4%.
– الاقتصاد النقدي، الذي يقدره البنك الدولي بـ 45% من الناتج المحلي الإجمالي للمعاملات بالدولار، يتجاوز هذا المستوى بكثير إذا أضفنا الليرة اللبنانية. وعلى سبيل المقارنة، تمثل الأوراق النقدية والعملات المعدنية على مستوى العالم 10% فقط من العملة، والتي تتكون أساسًا من ترحيلات إلى الحسابات المصرفية. هذا هو “المال الكتابي”، الذي يتعرض اليوم للازدراء باعتباره فاقد القيمة.
– بالإضافة إلى ذلك، عرقل غياب النشاط المصرفي ظاهرة التأثير المضاعف للنقود. بمفردات أخرى، إذا قام شخص ما في العادة بإيداع مبلغ 1000 دولار نقداً، يستطيع البنك استخدامه لمضاعفة عمليات الائتمان والإيداع لصالح الأفراد أو رجال الأعمال، من خلال التحويلات الإلكترونية أو الشيكات. هذا هو مبدأ الوظيفة المصرفية. وهكذا يصبح المبلغ النقدي في النهاية عشرة أضعاف نظيره في الحسابات الكتابية. ومن هنا جاءت نسبة الـ 10% المذكورة أعلاه. وتهدف هذه النسبة لتعزيز النشاط والنمو.. الأمر الذي حرم منه اللبناني حالياً.
– ما عاد للدولة وجود باعتبارها فاعلاً اقتصادياً أساسياً، وتلاشى مع ذلك دورها كعامل منظم وموزع للثروة، مع تحول البنى التحتية لأطلال. وحتى التقنيات الأساسية شقت طريقها إلى متحف وأسواق السلع المستعملة.
– يمكننا أن نستمر ونستفيض في المقارنة بين مختلف المواد التي يغطيها المتحف الباريسي من التبادلات إلى الأسواق، ومن القواعد التنظيمية إلى المنافسة… لكننا سنصل في كل مرة للنتيجة نفسها: وضعنا ليس طبيعياً!
ومع ذلك، دعونا لا نستسلم للاكتئاب فهناك جانب مشرق للمتحف اللبناني إذا ما قررنا إنشاءه: من سوانا ينفرد بسياسات تعكس عقليات من العصور القديمة.. عقليات بمعدل ذكاء لا يصل حتى إلى خط الفقر.. عقليات قادرة على أن تبدع في الفساد؟ لا قلق أبداً من هذه الناحية، لدينا ما يكفي لنملأ متاحف ومبانٍ بأكملها!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us