الرئيس المسيحي الوحيد ليس فارسياً


أخبار بارزة, خاص 25 أيلول, 2023
الرئيس

ما قاله البطريرك الراعي في أستراليا عن فرادة رئاسة الجمهورية على المستوى العربي، يعني أيضاً أنّ الرئيس المقبل للبنان لن يكون على الإطلاق على شاكلة الرئيس الوحيد الذي جاء بضغط فارسي


كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

موقف مهم، أعلنه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بالأمس من أستراليا. فهو قال أن “الكنيسة لن تسكت عن تعمّد تغييب رئيس الجمهورية المسيحي الوحيد في كل أسرة جامعة الدول العربية”. وهذا يعني أنّ أزمة الاستحقاق الرئاسي التي تقترب من عامها الأول، ليس لها بعد لبناني فحسب، وإنما لها بعد خارجي يستحق التوقف عنده. إذ منذ إعلان لبنان الكبير عام 1920، كانت الفكرة التأسيسية في ذلك الزمن، أن يكون هناك كيان يتميّز برئاسته المسيحية، وسط بحر إسلامي وغير إسلامي في قارتي آسيا وافريقيا، وهي موطن لمعظم سكان الكوكب.
وإذا أضفنا إلى التغيير الذي طرأ بعد نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1914، وسقوط السلطنة العثمانية، ما أدى إلى رسم خرائط جديدة في مناطق السلطنة، نجد أن لبنان كان موطناً مبكراً للتنوير في الشرق بفضل ما قام به المسيحيون عموماً، والموارنة خصوصاً. فكانوا رواد التعليم والطباعة وإحياء التراث العربي. ما يعني أنّ الجهد الذي بذله الانتداب الفرنسي، معطوفاً على الجهد الذي قامت به الكنيسة المارونية أيام البطريرك الياس الحويك، بدءاً من العام 1920، لم يأتِ من فراغ. بل أتى حصيلة قرون من العمل التنويري حتى بلغ غايته قبل 103 أعوام.
لم يعرف لبنان منذ أكثر من قرن، أحوالاً كتلك التي نشأت قبل 18 عاماً عندما خرج هذا البلد من الوصاية السورية ليدخل في الوصاية الفارسية المقنّعة تحت غطاء “حزب الله”. ففي العام 2005، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، طرأ تغيير لم يكن في الحسبان. إذ أدى انسحاب جيش النظام السوري من لبنان تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559، إلى نشوء فراغ، تولت تعبئته قوى الأمر الواقع المتمثلة بـ “حزب الله”. وبالطبع لم يأتِ الأخير من فراغ، بل كان ثمرة تحالف بين نظام حافظ الأسد والنظام الإيراني منذ عام 1982 ولغاية اليوم. وعلى امتداد 41 عاماً، كان النفوذ الفارسي في لبنان يتجذر على حساب سائر مكونات الكيان وتطلعاتها الداخلية والخارجية.
من يعدّ إلى من وصلوا إلى رئاسة الجمهورية بعد العام 2005، يجد أنّ الرئيس ميشال سليمان، كان آخر من حالفه الحظ من الرؤساء بأن ينجو من التأثير الفارسي الكامل تقريباً، فكان هناك بقية نفوذ سوري معطوف على نفوذ عربي وتركي تجلى في مؤتمر الدوحة الشهير عام 2008، ما أدى إلى انتخاب الجنرال سليمان رئيساً للبنان.
وبعد الرئيس سليمان، لم يتم انتخاب خلفه، أي الجنرال ميشال عون عام 2016 إلا بعد فترة شغور رئاسي امتد من العام 2014 ولفترة دامت عامين و5 أشهر. وقد ارتبط انتخاب زعيم “التيار الوطني الحر” بجملة شهيرة لزعيم “حزب الله” حسن نصرالله، هي: “السيّد وعد ووعده صادق”.
بالطبع هناك عوامل عدة ساهمت بوصول ميشال عون إلى قصر بعبدا، لكن العامل الأبرز كان تمسك نصرالله بشريكه في “تفاهم مار مخايل” عام 2006، فكان لنصرالله ما أراد.
قبل يومين، وبحسب المعلومات، استقبل المعاون السياسي للأمين العام لـ “حزب الله” الحاج حسين الخليل الموفد الأمني القطري، وأبلغه أنّ قرار “الحزب” هو التمسك برئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية مرشحاً لرئاسة الجمهورية. وهناك مؤشرات إلى أنّ السيد وعد الزعيم الزغرتاوي كما وعد سابقاً جنرال الرابية. وهناك في أوساط “الحزب” من يضع وعد السيد في مرتبة “المقدس”.
كيف سيكون تأثير هذه المعطيات على مسار الاستحقاق الرئاسي؟ من المؤكد أنّ الأزمة التي رافقت المبادرة الفرنسية والتي انتهت إلى الخيار الثالث في الترشيحات الرئاسية، يلوح أنها ستتكرر مع المبادرة القطرية التي انطلقت حديثاً. ومن التكهنات، أنّ انسداد الأفق في المبادرات سيطول حتى الوصول إلى انفتاح ثغرة في العلاقات الأميركية الإيرانية التي شهدت تطوراً في صفقة تبادل السجناء والإفراج عن 6 مليارات دولار تعود إلى طهران.
قد يكون من باب تبسيط الأمور القول أنّ الوصول إلى انفراج في العلاقات بين واشنطن وطهران سيكون في المدى المنظور. لكن ما يهم لبنان هو أنه وقع مجدداً في مصيدة ربط مصيره بحسابات إيرانية والتي لا يهمها إطلاقاً مصلحة لبنان.
ما قاله البطريرك الراعي في أستراليا عن فرادة رئاسة الجمهورية على المستوى العربي، يعني أيضاً أنّ الرئيس المقبل للبنان لن يكون على الإطلاق على شاكلة الرئيس الوحيد الذي جاء بضغط فارسي، تمثل بدعم “حزب الله” المطلق لوصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us