الهجرة واللُّجوء على ضفّتي المتوسِّط.. الإهتِزازات الجيو-ديموغرافيَّة


أخبار بارزة, خاص 2 تشرين الأول, 2023
الهجرة

إذا ما سلَّمنا جَدَلًا بأنَّنا قاب قوسَين أو أدنى من أن نَشهَد في الاتِّحاد الأوروبي رَفعًا لحِدَّة النِّقاش حول أزمتي الهجرة واللُّجوء، بما سيجعل من اندِفاعات الكزينوفوبيا، والرَّاديكاليَّات القوميَّة، والعنصريَّة الشعبويَّة، ذات فاعليَّة سياسيَّة وثقافيَّة وقانونيَّة وحتَّى دينيَّة، فإنَّهُ يبدو مُلِحًا الكفُّ عن الاكتِفاء بتحديد تداعياتِ هاتين الأزمتين على المستوى الإنسانيّ حصرًا


كتب زياد الصَّائِغ لـ “هنا لبنان”:

حَمَلت زيارة البابا فرنسيس إلى مرسيليا دلالاتٍ إستثنائيَّة. مُقاربتُه الرَّافِضة لتحوُّلٍ على كثيرٍ من النَّبويَّة. قد يعتقِدُ البَعضُ أنَّ في هذه المُقاربة إغراقًا لأوروبا بموجات لجُوء وهجرة ما سيُحتِّمُ تغييرًا تدريجيًّا في هويّتها الاجتِماعيَّة والثَّقافيَّة، بل حتَّى الدِّينيَّة والسِّياسيَّة والقانونيَّة. في هذا الاعتِقاد هواجِسُ مشروعَة من باب أنَّ اللُّجوء والهجرة ما عادا يقتصران على مسبِّبات أمنيَّة، أو اقتِصاديَّة-اجتِماعيَّة، أو طبيعيَّة كارثيَّة، بل هُناك من عصابات الجريمة المنظَّمة من حوَّلُهما إلى حِرفَةٍ توسُّلًا للكسب المادي، أو تنفيذًا لأجنداتٍ سياسيَّة وأمنيَّة خبيثة معنيَّة بزعزعة الاستِقرار. الهواجِسُ المُستنِدَة إلى هذا السِّياق الملتبِس المُشَوَّه مشروعَة، لكنَّ نقلها إلى مُربَّع صراعات الهُويَّات يَجعَلُ حَتمًا من ضفَّتي المتوسِّط حطام حضارات.
إذا ما سلَّمنا جَدَلًا بأنَّنا قاب قوسَين أو أدنى من أن نَشهَد في الاتِّحاد الأوروبي رَفعًا لحِدَّة النِّقاش حول أزمتي الهجرة واللُّجوء، بما سيجعل من اندِفاعات الكزينوفوبيا، والرَّاديكاليَّات القوميَّة، والعنصريَّة الشعبويَّة، ذات فاعليَّة سياسيَّة وثقافيَّة وقانونيَّة وحتَّى دينيَّة، فإنَّهُ يبدو مُلِحًا الكفُّ عن الاكتِفاء بتحديد تداعياتِ هاتين الأزمتين على المستوى الإنسانيّ حصرًا، وفي هذا أراد البابا فرنسيس إعلاء الصَّوت محذِّرًا أخلاقيًّا من الدَّفع باتِّجاه إطلاقِ مسارِ صراعاتٍ مبنيّةً على الهُويَّة تنتهي باغتِيالِ كُلِّ الهُويَّات في خصوصيَّتِها ومشتركاتِها.
القارِئ عميقًا في فكر البابا فرنسيس، وما أَعلنَهُ عن الحاجة لتشييد عمارَةٍ “لاهوتٍ متوسِّطيّ” يكتشِف كم يُلاقي طرحُه موجب تشييد عمارة سياسةٍ أورو-متوسِّطيَّة تستبِقُ النِّزاعات أو تحتويها بالاستِناد إلى سُلِّم قِيَم مشتركة أو مصالِح مشتركة أساسُها استِمرارُ حدود الأُخُوَّةِ الإنسانيَّة المفتوحَةِ على التَّعاضُد.
هذه السِّياسة الأورو-متوسِّطيَّة، والتي عرَّفها الاتِّحاد الأوروبي بسياسَة الجِوار تتغيَّرُ يومًا بعد يوم لتُثبِّتَ متاريس جديدة أكثر منه بَلوَرة خياراتِ وقف الصِّراعات، والاستِثمار في العدالة الاجتِماعيَّة. الإتِّحاد الأوروبي يتَّجِهُ إلى الاستِثمار في الأمان المستدام لا يقُوم دون الانحِياز إلى اقتِلاعِ جُذُور النُّفُوذ التي قامَت على دِماء شعوب الشَّرق الأَوسَط. هُنا بيتُ القصيد.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us