السؤال الأهم

أخبار بارزة, لبنان 1 تشرين الأول, 2021

كتب زياد شبيب في “النهار”:

 

مع كل انتفاضة شعبية كبرى شهدها لبنان، وهي ليست كثيرة، غمرت عموم المواطنين مشاعر الفخر الوطني العارم ممزوجة مع حالة معنوية عالية وثقة بالقدرة على التغيير والانتقال إلى مرحلة بناء الدولة والانتهاء من حالة الاستعصاء السائدة منذ عقود ومن رموزها وقواعد لعبتهم، والتي وصلت تراكماتها وأزماتها المتناسلة وتسوياتها الظرفية إلى ما نحن فيه.

 

صحيح أن الشعب اللبناني ليس كثير الانتفاض، ولكنه شعب حيّ، وقد بلغت الغالبية حالة الانتماء إلى هذا الوطن الحديث الولادة، أو المولود قبل أوانه، الذي ما إن تجاوز المئة عام الأولى من عمره حتى تفجرت فيه كل تراكمات المئوية.

 

“المولود قبل أوانه” لأن هنالك من يعتقد أن الاستقلال حصل قبل أوانه بفعل الصراعات بين القوتين العظميين، بريطانيا وفرنسا، في أربعينات القرن الماضي، وليس بالنظر إلى ارتقاء نُخَبِنا الحاكمة إلى مرتبة تؤهلها حكم البلاد والتأسيس لقيام دولة حديثة.

 

الشعب اللبناني لا تنقصه الجرأة ولكنه لا ينفك يتعرض للضربات والنكبات وهو لا يختلف عن سائر الشعوب عندما تفقد وسائل العيش الأساسية، فتتفرّغ للبحث عنها للبقاء على قيد الحياة. وقد أدت السياسات إلى تعميق الأزمات بشكل غير مسبوق ما أدى إلى انصراف اللبنانيين الثائرين على واقعهم إلى الانكفاء.

 

اليوم يتركز الاهتمام على الانتخابات النيابية المقبلة، وبهدف الفوز تعمل السلطة على تقليص الشريحة المشاركة من الناخبين وإقصاء الرافضين للواقع الراهن. قسم من الناخبين المؤيدين للتغيير يُعمل على تعزيز اليأس عنده بحيث يقتنع بأن لا أمل في تغيير القوى الحاكمة، وقسم آخر تجري محاولة إقصائه بالجملة وهم المغتربون عبر إثارة الصعوبات اللوجستية والإشكاليات القانونية أو عبر تقليص مفاعيل مشاركة الصوت الاغترابي بالإبقاء على المقاعد الستة المخصصة لهم وحصر تمثيلهم بها بدل المشاركة في انتخاب مقاعد المجلس النيابي بكاملها. وقد بيّنا في “بالنظام” أن هذه الطروحات تخالف الدستور ومن شأنها أن تعرض نتيجة الانتخاب للطعن.

 

أما القسم الثالث من الناخبين الذين لم ييأسوا ويرغبون بالاقتراع باتجاه التغيير فالرهان على تعطيل طاقتهم الاقتراعية أو التخفيف منها يجري عبر الشرذمة وتعزيز الانقسام، وهذا ما سبق أن نجح في إجهاض التظاهرات وليس ما يمنع من المحاولة أو المراهنة على نجاحه في عملية الانتخاب. وهكذا يبقى القسم الذي يؤيد الأحزاب القائمة، وله الحق بذلك.

 

في العام 1950 كتبت الفيلسوفة الفرنسية Simone Weil، وهي غير المرأة السياسية التي تحمل الاسم نفسه، رؤيتها للأحزاب مقترحة إلغاءها ومبينة الأسباب الداعية لذلك، فالحزب تنظيم يهدف للوصول إلى السلطة ويقوم على وحدة الفكر داخله ولا يقبل التعدد في صفوفه ويرفض الفكر المنحرف عن خطه السياسي، كما أن هدف الحزب ليس الخير العام بل نمو الحزب الذي يصبح غاية بذاته.

 

هذا في الأنظمة المسماة ديموقراطية، فكيف بالواقع اللبناني حيث يستوفي معظم الأحزاب صفات الفاشية في تكوينه من جماعة منسجمة دينياً تنبذ الآخرين، ضمنياً على الأقل، وتؤله الزعيم الذي يجسد آمال وتطلعات الأجيال وتنحصر أهداف الحزب الحقيقية بوصول زعيمه إلى الموقع الدستوري الذي يحفظه له النظام، عن طريق إقناع المحازبين من أبناء طائفته بأن بلوغه بذاته يحقق لهم غاية وجودهم.

 

على هؤلاء أن يطرحوا السؤال الاتي: هل أن الحزب أو “الزعيم” الذي يؤيدون يملك القدرة على الخروج من الأزمة العميقة أو يملك الفكر القادر على جمع غالبية اللبنانيين حوله لبناء لبنان؟

 

الجنون هو أن نفعل الشيء نفسه مرة بعد أخرى ونتوقع نتائج مختلفة (ألبرت أينشتاين).

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us