أصَالَةُ الدُّستور وتُراثُ الانقِلاب عليها!


أخبار بارزة, خاص 9 أيلول, 2023

أصالةُ الدُّستور وتُراثُ الانقِلاب عليها هُما نفيان لا يُمكن الرُّكون إلى حلِّ معضلةِ أيٍّ منهما، إذ إنَّ الدّستور انتُهِك، فيما الانقِلاب عليه بات النّاظِم لِأيّ استِحقاق بفِعْل الفرضِ الاستِعلائيّ لفائِض قُوَّة ونَهَمِ سُلْطَة

كتب زياد الصائغ لـ”هنا لبنان”:

الإشتباكُ قائِمٌ في لبنان على الجمهوريَّة بأصالتِها الدُّستوريَّة والمدنيَّة، والسِّياديَّة، والدّيموقراطيَّة، والليبراليَّة، والتعدُّديَّة. في صميمِ هذه الأَصالَة تحيا الحُريَّة والمواطَنَة. لم يُسمح للحريَّة في لُبنان أن تتبَلوَرَ في مسارِها الفعَّال. أمَّا المواطنة فانتُهِكَت باستِباحتِها في سِمَةٍ زبائنيَّة قاتِلة. إغتيالُ الجمهوريَّة بدأ بالإنقِلاب على الدُّستور. كُلّ الدُّستور. منذ سُلطَة الوصاية، وتشكُّلِ منظومة التَّحالُف الانتِهازيّ ذات الأيديولوجيا المُعَسكَرَة والفَساد المُقونَن، تمَّت الإطاحة بثقافة الدَّولة بِدَمٍ بارِد. من غير العلميّ تحييد الشَّعبِ اللُّبناني عن تورُّطِه بهذه الإطاحة إمَّا اقتِراعًا انتِخابيًّا للمنظومة، أو انكِفاءً عن الاقتِراع. في أيّ حال فإنَّ الديماغوجيا، والشَّعبويَّة، والاقتِناص الخدماتيّ، سِماتٌ طَبَعَت هذا التوجُّه ما يُفسِحُ في المجال لدراسَةٍ متأنيَّة للخَلَل القائِم في جيناتِ فَهمِ معنى الانخِراطِ في الشأنِ العامّ المفترض أن يكونَ للخير العامّ. الخَلَلُ هذا لم يأتِ مستجِدًّا، بل نَضُجَ في سياقاتٍ لا دستوريَّة ولا شرعيَّة، تحوَّلَت إلى نَمَطٍ من الشَّطارة.
في موازاةِ ما سَبَق من الاشتِباك القائم على الجمهوريَّة بمستوياتِ أصالتِها التأسيسيَّة، لا بُدَّ من الاعتِراف بعُطبٍ في أصالَة انفِتاح التَّنسيق بين المنصَّات السِّياديَّة الإصلاحِيَّة التَّغييريَّة على كُلِّ مستوياتِ تمثيلها، بما يُعَطِّلُ فاعليَّة المواجهة مع من اختاروا ترسيخ تُراث الانقِلاب على أصالَة الدُّستور، على أنَّهُ من فِعلِ التطوُّر الطَّبيعي لعقدٍ اجتِماعيّ بائد، مع الدِّفاع المستميت عن أنَّ هذا التطوُّر الطَّبيعي تُمليه تحوُّلاتٌ جيو-سياسيَّة، وديموغرافيَّة، واقتِصاديَّة-اجتِماعيَّة. ولو سلَّمنا جدَلًا بأحقيَّة ما يَطرَحُه الانقِلابيُّون، فإنَّ الوقائِع تحكي تورُّطَهم بجريمةٍ منظَّمة ضدّ لُبنان وشعبه أساسُها الانقِضاض على الاختِبار التَّاريخيّ المؤسِّس لفرادة التَّجرِبة اللُّبنانيَّة.
أصالةُ الدُّستور وتُراثُ الانقِلاب عليها هُما نفيان لا يُمكن الرُّكون إلى حلِّ معضلةِ أيٍّ منهما، إذ إنَّ الدّستور انتُهِك، فيما الانقِلاب عليه بات النّاظِم لِأيّ استِحقاق بفِعْل الفرضِ الاستِعلائيّ لفائِض قُوَّة ونَهَمِ سُلْطَة. لكنْ، وعلى الرّغم من أنّهُما يُشكِّلان نفْيَين، فإنَّ الفُرصَة مؤاتِيَة لاختِراقٍ استراتيجيّ تستدعيه اللّحظَة التّاريخيَّة، بما يُعيد الدُّستور إلى سيادتِه، والانقِلاب إلى انتِهاءِ دَورِه. هذه اللّحظَة التّاريخيَّة تنفي صحَّة خيار التّموضع في رماديَّات الحِوار لِصالِح واجِب انتِهاج التّصويب على العَوْدَة إلى المؤسَّسات الدّستوريَّة. كُلّ رديفٍ للمؤسّسات الدّستوريَّة يُعبّرُ عن مجزرةٍ مستمرّة. ولَّى زمنُ الرّديف، وما علينا سوى العَوْدَة إلى الأصيل. هكذا نُنْقِذُ لبنان.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us