قطاع تربية النحل بين الإهمال الحكومي والاهتمام الأممي


أخبار بارزة, خاص 1 تشرين الثانى, 2023

تزايد الإقبال على تربية النحل في السنوات الأربع الأخيرة بالتزامن مع الإقبال على الزراعة أيضاً، وذلك تبعاً للأزمة الاقتصاديّة التي ألمّت بالبلد والأزمة المعيشيّة التي نتجت عنها منذ أواخر عام 2019.

كتبت فاتن الحاج حسن لـ”هنا لبنان”:

يعدّ قطاع تربية النحل في لبنان من القطاعات قديمة العهد في البلاد، وقد ازدهر نتيجة لطبيعة البلاد الخضراء وتنوع الأشجار والزهور التي يجني النّحل منها لإنتاج العسل.

وعلى مدى عشرات السنين، استطاع هذا القطاع إثبات حضوره رغم غياب الدعم الرسمي له، إضافةً إلى مشكلاتٍ عديدةٍ يتعرّض لها مربّو النحل، ومنها:

المشكلات التقليديّة والمستجدّة:

مؤخّراً خسر القطاع ما يقرب من ثلث الزبائن وهم عادةً من طبقة الموظّفين الذين يتقاضون أجورهم بالعملة الوطنيّة والتي انهارت بطبيعة الحال؛ إضافةً إلى مشكلةٍ متماديةٍ وهي زيادة أعداد تجّار العسل المغشوش المستورد أو المصنّع في لبنان، خاصّةً في الشمال وطرابلس، والذي يصعب اكتشافه في مختبرات وزارة الزراعة، كما لا يمكن فحص هذا العسل في المختبرات المتطوّرة المرتفعة التكلفة.

وهناك مشكلة رشّ المبيدات الزراعيّة على نطاقٍ واسع، ما يؤثّر سلباً على النّحل وتكاثره، وقد يؤدّي إلى نفوق أعدادٍ كبيرةٍ منه، إضافةً إلى الإضرار بالزهور البريّة التي تعتبر مصدراً لغذاء النّحل الطبيعي.

كما أنّ ارتفاع تكاليف إنشاء مزارع النحل ومستلزمات المهنة من بدلاتٍ ومعدّات، يقف عائقاً أمام ازدهارها أو تطويرها.

في مقابلةٍ مع أحد العاملين في مهنة النّحل وإنتاج العسل، ميشال أبي حنّا، الذي يربيّ النّحل منذ عشرين عاماً، فينقل القفران بين بلدة مشمش الجبليّة صيفاً وبلدة البربارة الساحليّة شتاءً، يوضح لنا واقع هذه المهنة، قائلاً:

“تربية النّحل مهنة لها مردود جيّد في الحالات العاديّة، بشرط الاعتناء المتواصل بالقفران عن طريق وضع الأدوية التي تحمي النّحل ثلاث أو أربع مرّاتٍ في السنة لإبعاد الأمراض عنه. إضافةً إلى أنّ أعداداً من النّحل قد تتلف بسبب العوامل الطبيعيّة، مثل الحرّ الذي كان شديداً هذا الموسم.

أمّا إنتاجنا السنوي فيتراوح بين ثلاثمئة وخمسمئة كيلوغراماً.

وفي ما خصّ تصريف الإنتاج فهو ميسّر عموماً، إلى الزبائن المعتادين على شراء العسل كلّ سنة، وإلى أصحاب المحالّ على حدٍّ سواء

ولكنّني لاحظتُ في الفترة الحاليّة تراجعاً في القدرة الشرائيّة عند الفئات التي كانت تأخذ العسل، ما حتّم عليّ أن أخفّض من الأسعار لأجل تصريف الإنتاج”.

ويؤكّد أبي حنّا أنّ أسعار الأدوية والمستلزمات المختلفة لهذه المهنة في ارتفاعٍ متواصل، وأن لا تدخّل من الدولة لدعم هذا القطاع.

الإحصاءات الأخيرة

في دراسةٍ حديثةٍ عن قطاع تربية النحل في لبنان، مموّلةٍ من الاتّحاد الأوروبي، تبيّن أنّ نحو 10825 ربّ أسرةٍ في لبنان، النسبة الأكبر منهم في منطقتَي الهرمل وعكّار، يتابعون مهمّة تربية النحل، وأنّ هؤلاء يملكون أكثر من 417 ألف خليّةٍ يتواجد القسم الأكبر منها في منطقتَي المنية – الضنيّة، وفي جبيل. ووفقاً لهذه الأرقام أيضاً، يتوزّع النحّالون بحسب فئاتهم بين هواة، وهؤلاء ممّن يملكون بين خليّةٍ وعشر خلايا فقط ويمثّلون نحو 25 بالمئة من عدد النحّالين الوطنيّين، فيما لا تشكّل خلايا النّحل التي يملكونها مجتمعين سوى نسبة 4 بالمئة من خلايا النّحل الوطنيّة. بينما يمثّل النحّالون على نطاق الأسرة نحو 57 بالمئة من العدد الإجمالي للنحّالين، ويملكون 42 بالمئة من خلايا النحل.

الإقبال المتزايد والإهمال الحكومي

علاوةً على ذلك، يزداد الإقبال على تربية النحل ويلاحظ ازدياده خاصّةً في السنوات الأربع الأخيرة بالتزامن مع الإقبال على الزراعة أيضاً، وذلك تبعاً للأزمة الاقتصاديّة التي ألمّت بالبلد والأزمة المعيشيّة التي نتجت عنها منذ أواخر عام 2019.

وفي هذه الحال، باتت نسبة كبيرة من مربّي النحل يمارسونها كمهنةٍ هامشيّةٍ تؤمّن لهم مداخيل إضافيّة، إلى جانب مهنتهم الأساسيّة.

لكنّ بعض مربّي النّحل الآخرين يمتهنونها ويعتمدون عليها كدخلٍ رئيسي، من هنا فإنّ أيّ انتكاسةٍ للموسم سيعرّض المربّي وعائلته لضائقةٍ ماليّةٍ ومعيشيّةٍ داهمة.

إضافةً إلى الاهتمام الفردي والعائلي بالنحل، فحول قطاع النحل يمكن أن يُولد اقتصاد أوسع.

مشروع دعمٍ من الاتّحاد الأوروبي

وفي هذا الإطار، يمكن وضع اهتمام الإتحاد الأوروبي بتحفيز مبادراتٍ حول اقتصاد النحل في لبنان، عبر إطلاقه برنامج مِنحٍ في خمس دولٍ (من بينها لبنان) بالتعاون مع شركاء تحت اسم MedBeesinessHubs.

استُهلّ البرنامج في أوائل العام الحالي (2023) وقد اختار أن يكون شريكه في لبنان غرفة التجارة والصناعة والزراعة في البقاع، التي أطلقت البرنامج بالتعاون مع وزارة الزراعة.

وللبرنامج هدفان: الهدف البيئي، وهو “تشجيع مجموعات النّحل على العودة إلى حيث تنتمي”، خصوصاً أنّ البرنامج انطلق من تلمّسٍ للإنخفاض الحادّ في أعداد النّحل.

والهدف الإنمائي، والمتضمّن “خلق أو تطوير شركاتٍ صغيرةٍ ومتوسّطة، وجمعيّاتٍ ناشطةٍ في إقتصاد النّحل، بهدف ترك تأثيرٍ ملموسٍ وطويل الأمد في المناطق الريفيّة، يساهم في تعزيز القدرات التنافسيّة والإستدامة والوصول إلى أسواقٍ إضافيّة، وبالتالي يخلق فرص عملٍ للشّباب والنساء”.

كما أعلن البرنامج عن البوّابة الإلكترونيّة والمعرض الإلكتروني اللذين جرى تطويرهما لتسويق منتجات النّحل والعسل على مستوى البحر الأبيض المتوسّط، وخلق تناغمٍ بين الشركاء المشاركين في المشروع في البلدان الخمسة.

وقد تضمّن البرنامج أيضاً إعداد دوراتٍ تدريبيّةٍ للنحّالين، لتعزيز معرفتهم وقدراتهم حول تحويل منتجات النّحل والعسل إلى منتجاتٍ ذات قيمةٍ مضافة، ولتطوير عُدّة العمل من الناحية الماليّة والإداريّة.

فهل يكون هذا المشروع بارقة أملٍ من أجل رعايةٍ أشمل من قبل الدولة لهذا القطاع الذي أثبت تميّزه وتخطّى حدود لبنان وباتت له سمعة عالميّة؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us