التراجع الأول لـ “الحزب” عن الحدود


خاص 8 كانون الثاني, 2024

يعوّل الحزب اليوم على الوسيط الأميركي الرئاسي آموس هوكشتاين، الذي سبق له أن نجح في إبرام صفقة الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، لإبرام صفقة مماثلة تتصل بالحدود البريّة بين البلدين


كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

كشفت مجلة “الإيكونوميست” البريطانية في عددها الصادر السبت الماضي، عن تراجع قوات “حزب الله” عن الحدود الجنوبية. وعلى الرغم من أنّ هذا التراجع، بلغ نحو 2-3 كيلومتر، كما قالت المجلة، إلا أنه اكتسب دلالة ذات صلة بالوساطة الأميركية الجارية لنزع فتيل الحرب في هذه المنطقة.
لم يصدر عن “حزب الله” ما يؤكد أو ينفي هذه الواقعة، لكن أوساطاً إعلامية ذات صلة بـ “الحزب”، أشارت إلى أنّ هذه الخطوة تتصل بإعادة انتشار لقوات النخبة المعروفة باسم “الرضوان” التي أسسها قائد “الحزب” الراحل عماد مغنية.
لكن هذه الخطوة الميدانية التي هي الأولى من نوعها منذ قيام “حزب الله” فتح جبهة المواجهات مع إسرائيل في 8 تشرين الأول الماضي، لا تعني أنّ هناك بداية جدية لإقفال هذه الجبهة. وهذا ما سمعه مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال لقائه مع رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد بعيداً عن الأضواء قبل مغادرة بوريل لبنان السبت الماضي. وقد أفصح رعد في صورة غير مباشرة عما دار بينه وبين المسؤول الأوروبي. ففي كلمة ألقاها رعد أمس خلال تشييع أحد ضحايا “الحزب”، قال: “بدأت الوفود تأتي إلى لبنان من أجل أن تفتح باب المباحثات وتداول الرؤى حول ما بعد إنهاء هذه الحرب. موقفنا واضح وصريح بأن لا بحث في أيّ أمرٍ من الأمور التي يطرحها هؤلاء إلّا إذا نجحوا في الضغط على العدوّ من أجل أن يوقف عدوانه على غزة ولبنان”.
من دون التقليل من أهمية محادثات بوريل مع رعد، لم يخرج موقف الأخير عن موقف مماثل للامين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله يوم الجمعة الماضي، غير أنّ الجديد الذي أعلنه نصرالله، وما زال في دائرة الاهتمام هو قوله “إنّ لبنان أمام فرصة جدية لتحرير ما تبقّى من أراضيه المحتلة”.
وأفصح عن أنّ هذه الفرصة تتمثل بترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل بدءاً من “نقطة الـB1 البحرية في الناقورة مروراً بالغجر وصولاً إلى مزارع شبعا المحتلة”.
لم يعد خافياً، أنّ “حزب الله” يبدو متشجعاً بالمسعى الذي يقوم به الوسيط الأميركي الرئاسي آموس هوكشتاين، كي يحضّ إسرائيل على عدم توسيع النزاع في جنوب لبنان. وكما سبق للأخير أن نجح في إبرام صفقة الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، يعوّل “الحزب” عليه لإبرام صفقة مماثلة تتصل بالحدود البريّة بين البلدين.
في المقارنة بين الظروف التي رافقت صفقة الترسيم البحري، وبين الظروف التي تحيط حالياً بالمساعي الحالية لإنجاز صفقة مماثلة برّاً، يتبيّن أنّ هناك فارقاً كبيراً يتمثل بتداعيات حرب غزة على لبنان وإسرائيل معاً. وهذه التداعيات التي تستمر وتتفاقم، تنذر بنشوب حرب واسعة النطاق على غرار حرب عام 2006. ومن يتابع المواقف الإسرائيلية أمس، يتبيّن أنّ “فترة السماح” التي نالتها وساطة هوكشتاين، كي لا تنشب هذه الحرب، مشروطة بانسحاب “حزب الله” إلى شمالي نهر الليطاني. ولم يغب هذا الشرط عن محادثات بوريل مع رعد وسائر المسؤولين اللبنانيين.
ما يبدو أنه مأزق ينذر بنتائج لا تحمد عقباها، هو أنّ امتثال “حزب الله” لموجبات التسوية للنزاع على الحدود البرية مرتبط بنهاية حرب غزة. وهذا الارتباط لم يأتِ بقرار اتّخذه “الحزب”. بل وليد قرار اتخذته إيران منذ نشوب حرب غزة في 7 تشرين الأول الماضي. وبما أنّ هذه الحرب ما زالت مستعرة من دون أن يلوح في الأفق نهاية قريبة لها، معنى ذلك أنّ “حزب الله” سيبقى يطلق الصواريخ والمسيّرات المتفجّرة في اتجاه شمال إسرائيل. ويخفف “الحزب” من وطأة المواجهات في الجنوب، بالقول إنّها محصورة في نطاق جغرافي يقدر بخمسة كليومترات عرضاً على الحدود في لبنان ومثلها على الجانب الإسرائيلي. لكنّ هذه المساحة المحدود تسببت بنزوح عشرات الألوف من السكان على جانبي الحدود. في المقابل، لا تبدو الصورة في إسرائيل مخففة كما هي الحال عند “الحزب”، بل على العكس، ستكون في رأس قائمة أهداف الحرب إذا ما نشبت في الجنوب، وهو إعادة سكان مستوطنات شمال إسرائيل إلى منازلهم.
هل من حل وسط بين ارتباط “الحزب” بالتكليف الإيراني الذي يريد أن تبقى جبهة الجنوب مفتوحة، طالما أنّ حرب غزة مستمرة، وبين روزنامة عمل إسرائيل التي تريد عودة سكان مستوطنات الشمال إلى ديارهم ولو حرباً؟
من المفيد قراءة نص ما ورد في “الإيكونوميست” حول سحب “حزب الله” قواته من على الحدود الجنوبية، وجاء فيه: “سحب حزب الله مقاتليه من مواقعهم على السياج مباشرة إلى مواقع تبعد نحو 2-3 كيلومتر عن الحدود. قد يكون هذا مجرد تراجع تكتيكي، لكنه أيضاً إشارة إلى الإسرائيليين والأميركيين بأنهم يريدون تجنب القتال. وفي الوقت نفسه، خفض الجيش الإسرائيلي مستويات قواته بشكل طفيف، على الرغم من أنها لا تزال أعلى بكثير مما كانت عليه قبل 7 تشرين الأول. الإسرائيليون مستعدون للهجوم في أي لحظة”.
بناء على ما سبق، يجب مراقبة الخطوة التالية لهوكشتاين. فهو إذا وصل إلى بيروت قبل نشوب الحرب في الجنوب، معنى ذلك أنّ هناك معطى جديد قد أبصر النور بمباركة من طهران ورعاية من واشنطن.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us