جعجع اللبناني ونافالني الروسي


خاص 4 آذار, 2024

شعلة الحرية في لبنان التي أراد النظام الأمني اللبناني السوري إطفاءها بتفجير كنيسة سيدة النجاة كانت عصية على الخمود، ووفاة نافالني المعارض الشرس للرئيس الروسي تعني أنّ أحرار روسيا باتوا أقوى بعد غياب هذا المعارض الصلب

كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

ما يجمع بين رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع وبين أليكسي نافالني هو الدخول إلى السجن على خلفية معارضة السلطة الحاكمة. أما ما يفرّق بينهما، فهو أنّ الأول خرج إلى الحرية بعد 11 عاماً حياً، بينما قضى الثاني نحبه في منتصف الشهر الماضي. وإذا ما كانت هناك من عبرة يمكن الخروج بها من المقارنة بين أشهر سجينين في لبنان وروسيا، هي الفارق بين بلديّن: فلبنان مفطور على الحرية، بينما يكافح أحرار روسيا في بلد مفطور على الديكتاتورية.

لا تعني هذه العبرة أنّ الحرية في لبنان مصانة، وأنّ الديكتاتورية في روسيا قدر لا يرد. ولكنها تعني أنّ شعلة الحرية في لبنان التي أراد النظام الأمني اللبناني السوري إطفاءها في 27 شباط 1994 بتفجير كنيسة سيدة النجاة في زوق مكايل، كانت عصية على الخمود. كما تعني وفاة نافالني المعارض الشرس للرئيس فلاديمير بوتين في 16 شباط الماضي، أنّ أحرار روسيا باتوا أقوى بعد غياب هذا المعارض الصلب.

يقول جعجع بعد 30 عاماً على جريمة تفجير الكنيسة: “في حينه، عمدت الدولة، أي النظام الأمني اللبناني السوري، بشكل رسمي ومقصود إلى تفجير كنيسة كي تنال من حزب معارض من دون سواه، سعياً إلى حله، وقد قضى ضحيته أحد عشر مصلّياً، فضلاً عن الجرحى والصدمة النفسية التي طالت المجتمع بأكمله، وهذا أمر يفوق التصوّر”.

أما نافالني، فقرر العودة إلى روسيا كي يدخل السجن مجدداً قبل عاميّن بالرغم من أنه فاز باللجوء السياسي في ألمانيا. ولكي ينهي نظام بوتين حياة هذا المعارض الأشهر في بلاده، زجّ به في سجن بمستعمرة في القطب الشمالي، والذي يعد من أقسى السجون في البلاد.

ويقول جعجع أيضاً، بعد 3 عقود على الجريمة التي ما زال أبرز مدبريها خارج المساءلة: “على الرغم من آلام هذه الجريمة وأوجاعها وتفاصيلها، رفضُ أهالي الشهداء الرضوخَ لضغوط مديرية المخابرات بهدف الإدعاء على القوات ورئيسها، وهذه الشهادة الأكبر لنا كخط سيادي حر”.

أما نافالني الذي مضى إلى مثواه الأخير قبل أيام، فقد ثابر حتى الرمق الأخير على وصف حزب “روسيا المتحدة” الذي يتزعمه بوتين بحزب “المحتالين واللصوص”. كما اتهم بوتين بأنه “يمتص دم روسيا” عبر “دولة إقطاعية” تحصر وتركز السلطة في الكرملين.

من حظ لبنان، كانت عودة جعجع إلى الحرية كي يكمل رحلة إنقاذ وطنه من هاوية الانهيار. وما ورد في مذكرات الرئيس الراحل الياس الهراوي الذي حدثت في عهده مجزرة الكنيسة يدل على صوابية خط الوقوف ضد النظام الأمني ولو كانت كلفة ذلك باهظة. ويقول الهراوي في مذكراته التي كتبها له كميل منسى الذي رحل عنا الأسبوع الماضي: “صباح اليوم التالي لتنفيذ مذكرة الإحضار بحق جعجع قصدت زوجته ستريدا القصر الجمهوري بلا موعد سابق والتقت زوجتي طالبة منها بإلحاح مقابلتي. إستقبلتها فترة خمس دقائق تمنّت عليّ خلالها المساعدة قائلة إنها على استعداد لتنفيذ ما كنت نصحت زوجها بالقيام به، أي السفر إلى الخارج، فأجبتها أنّ المسألة لم تبقَ مسألة سياسية بل أصبحت في يد القضاء، مضيفاً أنه يوم كانت قضيته سياسية، وفّرت له فرصاً كثيرة منها المشاركة في حكومة الرئيس عمر كرامي، ثم في حكومة الرئيس رشيد الصلح، فرفض في المرتين، كما نصحته بالمشاركة في الانتخابات فقاطعها. أما، والقضية أصبحت الآن أمام القضاء، فلم يبقَ بإمكاني التدخل “.

وفي هذا السياق، كم يبدو الشبه كبيراً بين زمن الهراوي وزمن الرئيس السابق ميشال عون الذي حدث في أيامه أكبر انفجار غير نووي في التاريخ تمثل بتفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020. وكان الهراوي صريحاً في مذكراته بالقول أنّ المشكلة أيام تفجير الكنيسة كانت في القضاء. أما في زمن عون، فكانت الضغوط ولا تزال على القضاء كي لا يكشف حقيقة ما جرى في مرفأ بيروت.

كاتب هذه السطور أورد العام الماضي في مقال لـ “هنا لبنان” حمل عنوان: “أسرار متفجرة حول إنفجار كنيسة سيدة النجاة” الفقرة الآتية: “بحسب معلومات وزير بارز في التسعينات، أنّ الهراوي وخلال متابعته تفجير الكنيسة مع القضاء المختص، تبلغ من الأخير أن لا وجود لأدلة تسمح باتّهام جعجع. عندئذٍ، استدعى الهراوي مسؤولاً بارزاً في النظام الأمني اللبناني-السوري المشترك، سائلاً إياه رأيه في عدم وجود أدلة ضدّ جعجع، فكان جواب الأخير، أنّ النظام السوري مصرّ على إدانة جعجع بأي طريقة كانت”.

في الخلاصة، إنّ الخيط الذي يصل ما بين جعجع ونافالني هو: “ما مات حق وراءه مطالب”. وفي لبنان، إنّ الحق الذي يحتاج إلى كل التضحيات، هو الحرية التي ستعيد الحق لشهداء الكنيسة والمرفأ وكل الذين يسقطون اليوم ضحايا الاستبداد وأذرعه على اختلاف أنواعهم ومواقعهم. فبالحرية، وليس سواها ستعود الكلمة للعدل في بلد تحكمه سلطة القانون.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us