ما يعجز “الحزب” عنه في الضاحية


خاص 25 آذار, 2024

كيف يمكن التوفيق بين نفوذ “الحزب” في الضاحية الجنوبية الذي يستطيع أن يفرض إجراءات أمنية تمنع إسرائيل من اختراقها وبين حالات الفلتان التي تعيشها الضاحية على مستويات عدة؟

كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

لم يسبق لـ “حزب الله” أن أعلن أنه غير قادر على مواجهة طرف داخلي. فهو يخوض منذ 8 تشرين الأول الماضي مواجهات ضارية ضد إسرائيل. ووصل الأمر به إلى حد الإعلان عن أنّ “الإسرائيلي لا يستطيع أن ينتصر على الحزب”. والسبب يعود كما أعلن نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم قبل أيام أنّ تنظيمه “على جهوزية”.

وفي اليوم نفسه الذي صرّح الرجل الثاني في “حزب الله” بهذا الموقف، كانت وسائل الإعلام تتحدث عن الإجراءات الأمنية التي ينفذها “الحزب” في الضاحية الجنوبية لبيروت. وأشار الإعلام إلى أنّ هذه الإجراءات جرى اتّخاذها “بسبب استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، والخشية من تنفيذ عمليات اغتيال لمسؤولين في المقاومة”، على حد تعبير إحدى الصحف.

من المؤكد أنّ المظاهر الأمنية التي ينفذها طرف داخلي بمعزل عن الدولة هي أمر مرفوض. لكن “حزب الله”، لكثرة ممارساته المسلحة صار خارج المساءلة. وكيف لا يكون الأمر على هذا النحو، وهو يفرض على لبنان مواجهات عسكرية في الجنوب تهدد الوطن بأسره بتداعيات لا تحمد عقباها؟ من هنا ندرك لماذا لم تجد تحذيرات البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي المتكررة من مغبة ما يفعله “الحزب” على الحدود الجنوبية آذاناً مصغية حتى الآن.

وهكذا بحسب الآلة الإعلامية التي حشدها “الحزب” لمواكبة الإجراءات الأمنية التي ينفذها في الضاحية منذ الأسبوع الماضي، يبرز عنوان “التحسب” لما قد تفعله إسرائيل ضد “المقاومة”. لكن التقارير الإعلامية التي صدرت حول هذه الإجراءات لفتت إلى معطيات مثيرة للانتباه. وفي مقدمة هذه المعطيات بعض مظاهر التفلت الأمني في مناطق عدة من الضاحية الجنوبية، وكذلك انتشار تجارة المخدرات في بعض الأحياء. وتتضمن المعطيات أيضاً الخوّات التي تُفرض في الضاحية عبر فواتير، لمولدات الكهرباء أو لأصحاب صهاريج المياه. ومن الأمثلة، يعمد صاحب مولّد إلى عدم التقيد البتة بالتسعيرة الرسمية لوزارة الطاقة والمياه ويرفع سعر الكيلوواط من الكهرباء إلى أكثر من 55 سنتاً بينما تكون الوزارة قد حددته بـ37 سنتاً، وكذلك رفع قيمة المقطوعية الشهرية من 4 دولارات و30 سنتاً إلى 10 دولارات، فضلاً عن إلزام المشترك بحد أدنى من المصروف الشهري وإجباره دفع تلك الفاتورة حتى لو لم يصرف كيلوواط واحداً في الشهر. أما ذروة هذه المعطيات، فهي تحويل كهرباء الدولة إلى العدّادات وإلزام المشترك دفعها.

ليس خافِياً أنّ بلديات الضاحية الجنوبية هي امتداد لـ “حزب الله” وحليفه حركة “أمل”. وتعتبر بلدية الغبيري نموذجاً لنفوذ “الحزب”. وهذه البلدية أقامت في بداية العام 2021 تمثالاً في أحد شوارعها الرئيسية لقائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بعد مرور عام على اغتياله.

لكن هذه البلدية التي تعتبر من البلديات الكبرى في لبنان من حيث النطاق الجغرافي وصولاً إلى الموارد المالية، كشفت “المستور” عما يجري في الضاحية. ففي بيان صادر عنها في منتصف تموز الماضي أعلنت عن “إطلاق نار كثيف إثر إقبال أهالي المنطقة على تحطيم المركز الرئيسي لأحد شركات القمار الذي يتّخذه بعض المراهقين والقاصرين وكراً لهم”.

أضاف البيان: “لقد نبهنا ومنذ العام 2016 إلى ظاهرة القمار الموجودة في أحياء كثيرة من الغبيري وانتشارها في أغلب المقاهي والتي تدار دون أي رادع وبعلم الأمنيين. لقد طالبنا مراراً بضرورة توقيف الرؤوس الكبيرة منها والصغيرة والتي ورطت أفراد وهدمت عائلات”.

وقال: “إنّ حالة بعض السلاح بأيدي بعض المنتفعين واستقوائهم شكّل في الغبيري ظاهرة جعلت لكلّ حي مرجع و”ديك” يفرض سطوته بقوة ودعم من جماعة المنتفعين من هذا “الديك”، وباستقواء لفرض خوات وتعديات على الأملاك العامة والخاصة والتدخل لمصلحة من يدفع ضد من لا يقوى على الاعتراض، فسلبت حقوق وأهينت كرامات واستبيحت أملاك وفرضت سطوة أصحاب اشتراكات الكهرباء واشتراكات المياه والإنترنت والستالايت وصهاريج مياه” .

كيف يمكن التوفيق بين نفوذ “حزب الله” في الضاحية الجنوبية الذي يستطيع أن يفرض إجراءات أمنية تمنع إسرائيل من اختراقها وبين حالات الفلتان التي تعيشها الضاحية على مستويات عدة؟

تجيب التقارير الإعلامية التي صدرت قبل أيام قائلة أنّ “البلديات أو الأجهزة الأمنية لا تستطيع فعل شيء إطلاقاً، وأيضاً لا يستطيع “حزب الله” القيام بأيّ شيء سوى بتقديم النصيحة بـ”اتقاء الله وعدم الجشع”، ولكن ليس لديه القدرة ولا النيّة للدخول في مواجهة وخصوصاً مع أصحاب بعض المولدات”.

ما تتحدث عنه هذه التقارير بسبب التزام كتابها “ضوابط” فرضها مسبقاً “حزب الله” أنّ شخصين على مستوى عالٍ من الأهمية، لصلتهما المباشرة بـ “الحزب” وحركة “أمل” ، يديران كارتيل مولدات الكهرباء الخاصة في عموم الضاحية الجنوبية.

هل من داعٍ للسؤال: لماذا لا يجرؤ “حزب الله” على مواجهة أصحاب المولدات؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us