لبنان يرفع السقف في وجه حماس: القرار 29 ومعركة استعادة السيادة

يشهد المشهد اللبناني الفلسطيني تصعيدًا لافتًا في العلاقة بين الدولة اللبنانية وحركة حماس، وسط تطورات أمنية متسارعة وتبدلات حادة في الخطاب الرسمي اللبناني تجاه الوجود الفلسطيني المسلح داخل الأراضي اللبنانية. في ضوء الأحداث الأخيرة التي شملت عمليات إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل من الجنوب اللبناني، وتحركات الجيش لتوقيف المتورطين، تُفتح مجددًا ملفات السيادة والأمن في لبنان، وتُطرح تساؤلات جدّية حول حدود التفاهمات السابقة، ودور الفصائل الفلسطينية.
وفي التفاصيل، صدر عن قيادة الجيش ـــ مديرية التوجيه، البيان الآتي: “إلحاقًا بالبيانَين السابقَين المتعلقَين بتسلُّم الجيش من حركة حماس فلسطينيَّين للاشتباه بتورطهما في عمليتَي إطلاق صواريخ باتجاه الأراضي الإسرائيلية بتاريخَي 22 و28 /3 /2025، وضمن إطار التتبع الأمني والتنسيق المستمر من قبل مديرية المخابرات لتوقيف بقية المتورطين بناء على توصية المجلس الأعلى للدفاع وقرار الحكومة اللبنانية، تسلمت المديرية من حركة حماس الفلسطيني (ق.س.) عند مدخل مخيم البص – صور.
بوشر التحقيق مع الموقوف بإشراف القضاء المختص”.
كما أفادت المصادر القضائية اللبنانية أن التحقيقات كشفت عن تورط آخرين من الحركة في التحضير لعملية صاروخية ثالثة. هذه الأعمال، التي تعتبرها الدولة اللبنانية تهديدًا لأمنها السيادي، تضاف إلى سلسلة طويلة من المخاوف المتعلقة بتسلل النشاطات العسكرية الفلسطينية إلى لبنان.
في هذا السياق، تندرج العديد من التصريحات الرسمية اللبنانية التي تشير إلى تصعيد في المواقف تجاه حماس. ففي 2 أيار 2025، أصدر مجلس الوزراء اللبناني القرار رقم 29 الذي يحذر حركة حماس من استخدام الأراضي اللبنانية لتهديد الأمن القومي. هذا القرار يضع لبنان على مفترق طرق، بين التصعيد السياسي والعمليات الأمنية الفعلية.
ردود الفعل الفلسطينية: تحديات جديدة في المخيمات
في نفس السياق، أفادت مصادر فلسطينية لـ”نداء الوطن” بأن “هيئة العمل المشترك الفلسطيني” في لبنان كانت قد عقدت اجتماعًا لبحث التطورات الأمنية، بما في ذلك الإجراءات التي اتخذها الجيش اللبناني لإغلاق بعض الطرق الفرعية في مخيم البداوي. هذه الإجراءات تأتي على خلفية الضغوط المتزايدة من الحكومة اللبنانية للحد من الأنشطة المسلحة داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، وسط تهديدات بفرض سيطرة الدولة الكاملة على هذه المناطق.
في وقت لاحق، كشفت مصادر لبنانية لـ”اللواء” عن أن التحذير الأخير لحركة حماس هو الأكثر قسوة منذ سنوات، مما يعكس تغيّرًا جذريًا في الموقف اللبناني. المصادر نفسها أكدت أن زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان في 21 آيار 2025 ستشهد مناقشات حاسمة حول وضع المخيمات الفلسطينية وتفكيك البنية العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية.
ووفقاً للمصادر، فإن عباس يحمل «ورقة تفاهم» شاملة، تتضمن:
– خطة لضبط السلاح داخل المخيمات، وتفكيك البنية العسكرية للفصائل.
– تحييد الفصائل الفلسطينية عن النزاعات.
– صياغة جديدة للعلاقة اللبنانية – الفلسطينية، بدعم من أطراف عربية مؤثرة.
– حصر القرار الأمني داخل المخيمات بقيادة سياسية موحّدة، بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية.
وفقاً للمصادر ذاتها أيضا، فإنّ حماس رفضت المقترح اللبناني، وأرسلت رسائل بأكثر من اتجاه عن رفضها القاطع لتسليم سلاحها أو التنسيق مع السلطة الفلسطينية.
لبنان وحماس: سياسة التصعيد مقابل التفاهمات
منذ اتفاق القاهرة في عام 1969، والذي شرّع السلاح الفلسطيني في لبنان، عانت الدولة اللبنانية من خلل مستمر في سيادتها، إذ أصبح السلاح الفلسطيني خارج سيطرة الحكومة. ومع التغيرات السياسية التي تلت اتفاق الطائف، بقيت المخيمات الفلسطينية مناطق خارجة عن السيطرة الأمنية للدولة اللبنانية. لكن مع القرار رقم 29، أصبح الحديث عن وضع حد نهائي لهذه الظاهرة أمرًا غير قابل للمساومة.
هذا التحول يعكس رغبة لبنان في إعادة تحديد سيادته الأمنية، والتأكيد على حصرية السلاح بيد الدولة. ومع ذلك، يبقى التحدي في تنفيذ هذا القرار على أرض الواقع، خصوصًا في ظل وجود دعم سياسي وعسكري من “حزب الله” لحركة حماس. هذا التحالف قد يعقّد المسار السيادي للبنان، حيث إن “حزب الله” يدعم حماس في بعض الأوجه، مما يخلق معادلة صعبة بين الحاجة للتصعيد الأمني والإطار السياسي الملتبس.
التحديات السياسية: هل يصبح لبنان “حماس لاند”؟
منذ تأسيس حركة حماس في أواخر الثمانينات، فرضت نفسها كطرف رئيسي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعززت وجودها في لبنان من خلال علاقات وثيقة مع “حزب الله” وإيران. هذه العلاقات أثارت العديد من المخاوف في لبنان، حيث تم استخدام الأراضي اللبنانية كمنصة للهجمات ضد إسرائيل، مما يعرض لبنان لمخاطر الحرب الشاملة. ولذلك، كان القرار اللبناني الأخير بمثابة دعوة لإنهاء هذه التجاوزات، غير أن واقع تنفيذ هذه الدعوة يظل غامضًا.
في هذا السياق، يطرح العديد من المحللين تساؤلات حول فعالية التحذيرات اللبنانية تجاه حركة حماس، في ظل وجود تحالفات سياسية وأمنية مع “حزب الله” والفصائل الفلسطينية.
القرار رقم 29 الصادر عن مجلس الوزراء في 2 أيار، والذي تضمّن تحذيراً مباشراً لحركة “حماس” من استخدام الأراضي اللبنانية لأغراض عسكرية، لم يكن إجراءً عابراً. بل جاء في لحظة حاسمة، تعبّر عن وعي الدولة – ولو متأخراً – بخطورة تحول لبنان إلى خاصرة رخوة لحروب الآخرين. خطوة بدت وكأنها محاولة حاسمة لتصحيح مسار تاريخي خاطئ، بدأ يوم قبل لبنان، مرغماً، اتفاق القاهرة عام 1969، وسمح للفصائل الفلسطينية بتحويل الأرض اللبنانية إلى منصات قتال.
الانفجار الصامت: ما بعد غزة.. أين تنتقل “حماس”؟
للمرة الأولى، تتحدث الدولة اللبنانية عن “أعمال تمس الأمن القومي”، وتسمي الحركة بالاسم. لا مواربة، لا تورية، لا “غضب أهالي” يغطي على السلاح غير الشرعي.
رسالة واضحة كتبها الرئيس جوزاف عون بيده، حين دعا المجلس الأعلى للدفاع وأصدر أول موقف سيادي حاسم في وجه مشروع “حماس ” على الأراضي اللبنانية.
المعركة بين “الدولة” و”الدويلة”
لكن المشكلة الكبرى لا تكمن في “حماس” وحدها، بل في البنية الحامية لها:
من يدرّب عناصرها؟ من يفتح الحدود لتسلل قياداتها؟ من يؤمن الغطاء السياسي لنشاطها؟
الجواب واضح، وإن لم يُذكر صراحة في القرار: إنّه “حزب الله”، شريك السلاح والميدان.
فكيف يوافق وزراء الحزب في مجلس الوزراء على القرار؟
هل فُهِم القرار على أنه موجه فقط للفصائل “غير اللبنانية”، بينما يبقى السلاح الحزبي بمنأى عن أي إجراء؟
المحاسبة أو الفوضى
من هنا، يصبح لزاماً أن يترافق القرار 29 مع سلسلة من الإجراءات الحقيقية:
• فتح ملف تمويل حماس: من يموّل ومن يغطّي؟
• حصر السلاح: في المخيمات وخارجها.
• ضبط الحدود: لوقف التهريب والعبور غير الشرعي.
• تحرك ديبلوماسي: لمخاطبة العرب والمجتمع الدولي.
فلتقلها بيروت كما قالتها دمشق وعمان:
لا لـ”حماس”، لا لـ “السلاح الفلسطيني”، ولا لأي فصيل مسلّح على أرض لبنان – سواء أكان فلسطينيًّا أو لبنانيًّا أو إيراني الولاء.
السيادة لا تتجزأ… والوطن لا يُؤجَّر للمقاومات المستوردة.