غارات الضاحية تنذر بالأسوأ… هل يعيد “الحزب” قراءته الأخيرة؟

على الدولة أن تحسم بطريقة نهائية ملف السلاح، الذي سيحمّل لبنان الويلات والمصائب أكثر فأكثر، في حال لم يسلّم الحزب سلاحه إلى الجيش اللبناني، إلى جانب بسط الدولة لسيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، والتوقّف عن الرهان على نتائج المفاوضات الأميركية – الإيرانية للبتّ بموضوع السلاح.
كتبت صونيا رزق لـ”هنا لبنان”:
تتوالى التهديدات الإسرائيلية للبنان بأنّ الآتي أعظم كإنذارٍ أخير، لأنّ لا شيء تحقّق كما يجب بدءًا بتسليم سلاح حزب الله، الذي يبحث عن تدوير الزوايا كلّ فترة لإبقاء سلاحه تحت العنوان الدائم الذي لم يعد ينفع وهو الدفاع عن لبنان، فيما السقطات بالجملة كانت عنوان المرحلة التي يرفض الحزب وتوابعه الاعتراف بها، فيتمسّكون بالانتصار الوهمي الذي اخترعه الحزب وصدّقته بيئته الحاضنة ولو على مضَض.
هذا الانتصار ترافق قبل أيام مع نواب كتلة “الوفاء للمقاومة” برئاسة محمد رعد، الذي بدا مبتسمًا جدًّا على غير عادته مع رفاقه في الكتلة، خلال زيارتهم قصر بعبدا وعين التينة والسراي الحكومي، للتقرّب أكثر من العهد بعدما بات الحزب وحيدًا إلّا من بعض مَن تبقى من الفريق الممانع، للتحدّث عن الصمود والتصدّي بعد طول غياب وتوالي الهزائم، من باب رفع المعنويات التي باتت بدورها “هابطةً” وِفق اكثرية المناصرين السابقين للحزب. لأن لا شيء قادر على رفع المعنويات بعد اليوم، حتّى ولو رأينا علامات النصر ترافق سقوط الصواريخ وتحليق المسيّرات والتهديدات، التي عادت أدراجها ليل الخميس الماضي، فوتّرت الاجواء في منطقة الضاحية الجنوبية وقسمٍ من الجنوب، مع بدء الموسم السياحي الذي افتتحه المعنيّون قبل أيام، لكنّ كتلة حزب الله النيابية أطلقت العنان للانتصار خلال زياراتها المقرّات الرسمية، مع توزيع الضحكات لإفهام اللبنانيين بأنّ كل شيء على ما يرام، والتوافق موجود مع العهد لقلب الحقائق المُرّة رأسًا على عقب، مع التجديد الدائم للموقف المتكرّر بأن لا بحث حاليًا في موضوع السلاح، قبل وقف العدوان الإسرائيلي والانسحاب من النقاط الخمس وإعادة الإعمار، يعني العودة الى نقطة الصفر.
ردّ على بهجة رعد ورفاقه!
الردّ جاء سريعًا على بهجة رعد ورفاقه، بعد تهديداتٍ بشنّ الغارات على حارة حريك وبرج البراجنة والحدث ليل الخميس الماضي، بسبب وجود معامل لحزب الله لصنع المسيّرات، بعد إصدار الجيش الإسرائيلي أوامر بإخلاء مبانٍ في المناطق المذكورة، فكان الردّ عبر 23 غارة أشعلت سماء الضاحية لساعات، تبعها الأحد الماضي تهديد مماثل بوجود مستودعات أسلحة للحزب في منطقة المريجة، حيث طلبت لجنة الإشراف على اتفاقية وقف إطلاق النار من الجيش اللبناني بالكشف الميداني، فقام بحفر عمق وصل الى 9 أمتار ولم يجد شيئًا.
إلى ذلك، توالت التهديدات من وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بأن تل أبيب عازمة على التصعيد وبأنّ الضاحية الجنوبية أصبحت على الخط الأسود الناري، موجّهًا الى الحكومة اللبنانية نداءً اخيرًا بالإسراع بنزع سلاح حزب الله: “إذا لم تفعلوا المطلوب سنواصل العمل بكل قوة”.
رسائل أميركية داعمة لإسرائيل عبر باراك
في هذا السياق، ترافقت التهديدات الاسرائيلية مع دعم أميركي كبير، سيُترجم لاحقًا في حال تحقّقت زيارة الموفد الأميركي الى بيروت طوم باراك، الذي سيحمل معه رسائل صارمة شديدة اللهجة للبنان الرّسمي، الذي يُماطل في تنفيذ المطالب كما يرى الأميركيون، مع تهديداتٍ جديدةٍ غير مسبوقةٍ سيحملها باراك وستشمل مواجهاتٍ عنيفةً لتنفيذ المطلوب من حزب الله، وإلّا فالمرتقب سيكون خطيرًا جدًّا، ما يؤكد أنّ الإدارة الأميركية الجديدة مستعجلة جدًّا لحلّ موضوع السلاح، وأنّ الجدول الزمني أخذ وقته وحقّه، والمطلوب اليوم من الدولة اللبنانية وأجهزتها وفق الأميركيين تولّي مهمة السيطرة على كل مستودعات ومخازن سلاح الحزب، وإلّا التدمير الكامل الذي سيحمل معه تداعيات على الصحة والبيئة.
الحزب ومقولة “من بعدي الطوفان”!
إزاء هذه التهديدات ثمّة أسئلة تُطرح حول التطورات العسكرية المرتقبة، فهل سيقرأ حزب الله هذه المرّة التهديدات بواقعيّة وينظر الى تداعياتها ومخاطرها على لبنان؟ مراقبون سياسيون يؤكدون أنّ المنطق الأخير الذي يتداوله الحزب منذ فترة، لا يشير إلى وعيه وإدراكه وقراءته المنطقيّة للمستجدّات العسكرية الجادّة، والتي اُعطيت بضوءٍ أخضر أميركي ونهائي، لأنّ الخاسر لكلّ شيء لا يأبه إلّا لنفسه عبر تنفيذه لمقولة “من بعدي الطوفان”، لأنه لن يستطيع الوقوف مهزومًا من جديد أمام بيئته، بل سينادي بشعارات الماضي التي كان يشدّ جمهوره من خلالها، لكن اليوم انقلبت كل الأوضاع ولا سبيل لوجود لتلك الشعارات لأنّ زمن الماضي ولّى.
مصدر أمني بارز: تهديد بقصف المرافق والبنى التحتية
في إطار التوضيح لما يُنقل، أشار مصدر أمني بارز لـ”هنا لبنان” إلى أنّ الوضع مخيف وضمن دائرة القلق الشديد ولم يعد أي شيء ينفع، لا الاتصالات الدولية ولا الوساطات لأنّ المجتمع الدولي سئم من كل هذه المسرحيات والتأرجح في المواقف، تارةً الإيجابية وطورًا السلبية، قائلًا: “التقارير تصل تباعًا إلينا فكل شيء مهدّد في لبنان، من المرافق العامة إلى البنى التحتية والاجتياح البرّي مطروح، كما تأتي الضاحية الجنوبية في طليعة المناطق المُستهدفة بالغارات والصواريخ المدمّرة، والضوء الأخضر الأميركي اُعطي للإسرائيليين في العلن، ممّا يعني أنّ الوساطات الفرنسية وزيارة الموفد الفرنسي جان ايف لو دريان، الذي ينقل سياسة بلاده الهادئة والدبلوماسية للحلّ النهائي لمسألة السلاح لن تنفع بدورها”.
وشدّد المصدر الأمني على ضرورة حسم الدولة وبطريقة نهائية لهذا الملف، الذي سيحمّل لبنان الويلات والمصائب أكثر فأكثر، في حال لم يسلّم الحزب سلاحه إلى الجيش اللبناني، مشيرًا إلى ضرورة بسط الدولة لسيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، والتوقف عن الرهان على نتائج المفاوضات الأميركية – الإيرانية للبتّ بموضوع السلاح.
وردًّا على سؤال حول الحجّة التي يستعين بها حزب الله لعدم تسليم سلاحه بأنّ الجيش اللبناني عاجز عن الدفاع عن حدود لبنان، رأى المصدر المذكور أنّ “هذه الحجّة لا تنطلي على أحد، والكلّ رأى مدى بسالة الجيش اللبناني في الدفاع عن لبنان، والأمثلة كثيرة من نهر البارد مرورًا بمعارك ضارية خاضها منتصرًا وصولًا الى فجر الجرود، وكل ما يُردَّد في هذا الإطار معيب، فوحدها الدولة قادرة على فرض هيبتها على كامل أراضيها”.
الاستعانة بالتكليف الشرعي!
في غضون ذلك، لم يعد هناك من قراءةٍ حكيمةٍ للحزب الذي يحمل عنوان الخاسر الاكبر، ومَن خسر كل شيء لا مجال له كي يقرأ من جديد في السياسة، فأكثر ما يهمّه هو إرضاء مناصريه الذين فقدوا البشر والحجر، لكنّه اليوم يستعين من جديد بالتكليف الشرعي لإبقاء المؤيدين له تحت مظلّته وجناحيه، كي يحافظ على البقاء المعنوي لا الحضوري، من باب الاستعانة بالمجد القديم الغائب إلى غير رجعة.