لبنان بين مشروعَيْن: مدينة تُضاء… ومفاعيل تُحتَرَق!


خاص 23 حزيران, 2025

 

لبنان لا يمكن أن يكون جبهةً خلفيةً ولا ساحةً بديلةً لتصفية الحسابات، ولا أداةً للضغط والرّدع في حروب الآخرين. المطلوب اليوم ليس فقط إعادة إنارة بيروت، بل إنارة الوعي الوطني. المطلوب موقفٌ شجاعٌ، ينتزع القرار – السلاح من أيدي القوى التي جرّت البلاد إلى الخراب، ويُعيده إلى المؤسّسات الدستورية، لا إلى خطابات ومواقف رؤساء لا يملكون القدرة على الحسم.

كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:

مفارقةٌ صارخةٌ أن تنام بيروت، “نبض الحياة”، على وقع إطلاق رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورشة أعمال لتأهيل ساحة الشهداء، وتستفيق على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فجر الأحد، تدمير القدرات الإيرانية على تخصيب اليورانيوم، والقضاء الكامل على منشآتها النووية في “فوردو” و”نطنز” و”أصفهان”.

انخراط الولايات المتحدة الأميركية في الحرب المباشرة ضد إيران، بعد أن تكفّلت إسرائيل بالقضاء على أذرعها في المنطقة، يشكّل نقطة تحوّل مفصلية في مسار الشرق الأوسط، ويؤسّس لمرحلةٍ جديدةٍ قد تكون خالية من عصا إيران التي لطالما استخدمتها أداة ابتزاز واستقواء، مكنّت ميليشياتها من التحكّم بمصير دول عربية، سواء بشكل مباشر – كما هي الحال مع “حزب الله” الذي يحتكر قرار الحرب والسلم في لبنان – أو عبر جرّ دول أخرى إلى مُهادنتها، كما حصل في اتفاق بكين بين السعودية وإيران.

التجرّؤ على ضرب رأس الأفعى في إيران لا بدّ أن يترافق مع مواقف حازمةٍ تضع حدًّا لازدواجية القرار في الدول الوطنية. ففي الحالة اللبنانية، لم يعد مقبولًا أن تواصل الحكومة سياسة المُهادنة مع ميليشيا تهدّد بإشعال البلد مجددًا، وأن تُسلّم بواقعٍ يفرض فيه أمين عام “حزب الله” مواقف علنية تؤكّد انحياز الحزب إلى إيران في أي مواجهة، وبكل الوسائل المتاحة، ما يعني تورّطًا لبنانيًا مباشرًا في صراع دولي لا يملك اللبنانيون أي قدرة على تحمّل كلفته.

هذا الواقع هو ما يدفع العديد من المتابعين إلى دقّ ناقوس الخطر، والتنبيه إلى أن تسارع الأحداث في المنطقة لا ينسجم مع حالة الشلل التي تعيشها الدولة اللبنانية.

فالشعارات عن “بيروت مدينة لقاء”، وعن إعادة إحياء المساحات العامة كرمزٍ لوحدة اللبنانيين، تفقد معناها حين تكون ارتدادات الحرب تطرق أبواب الجميع، وتهدّد الأمن والاستقرار في بلدٍ يقوم على توازن هشّ.

هكذا، يجد لبنان نفسه مُمزّقًا بين مشروعَيْن متناقضَيْن: مشروعٌ يسعى إلى النهوض، تحرّكه مبادرات مدنية ورؤية رئاسية تنشد بثّ الأمل في جسد الدولة المنهك؛ ومشروعُ آخر يستدرجه إلى المزيد من الانهيار، عبر تهديداتٍ دائمةٍ بالحرب، وواقع أمني مضطرب يفرضه امتلاك “حزب الله” وحده لقرار الانخراط في صراع إقليمي مفتوح.

منذ انخراط “حزب الله” في معركة “طوفان الأقصى”، كانت النتائج كارثيّة: الجنوب منكوب، مقاتلو الحزب تحت القصف اليومي، آلاف الشهداء من المدنيين والمقاتلين، وعشرات الآلاف من النازحين.

ومع ذلك، لا صوت واضحًا للدولة في قرار الحرب أو السلم. فبينما يؤكّد الرؤساء ألّا مصلحة للبنان في الانزلاق إلى الحرب، يُمسك “حزب الله” بالزناد، من دون أن يكلّف نفسَه حتّى عناء التشاور مع أحد، بل يُسقط أي محاولة لإصدار موقف حكومي رسمي يرفض الحرب.

ما يجري اليوم ليس وليد اللحظة، بل نتيجة تراكمٍ طويلٍ لأزماتٍ بنيويةٍ، تبدأ من غياب القرار السيادي، ولا تنتهي عند ارتهان الدولة لمحاور خارجية، وافتقادها إلى مشروعٍ وطنيّ جامعٍ يُجيب عن السؤال الأساسي: “أي لبنان نريد؟”.

لبنان، بوضوح، لا يمكن أن يكون جبهةً خلفيةً ولا ساحةً بديلةً لتصفية الحسابات، ولا أداةً للضغط والرّدع في حروب الآخرين. المطلوب اليوم ليس فقط إعادة إنارة بيروت، بل إنارة الوعي الوطني. المطلوب موقف شجاع، ينتزع القرار – السلاح من أيدي القوى التي جرّت البلاد إلى الخراب، ويُعيده إلى المؤسّسات الدستورية، لا إلى خطابات ومواقف رؤساء لا يملكون القدرة على الحسم.

وإذا كان اللبنانيون لا يريدون الحرب، ولا يملكون ترف تحمّل كلفتها، فإنّ الأخطر من الحرب هو غياب الدولة. ففي الحرب يسقط الشهداء، أما في غياب الدولة… فيسقط الوطن!.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us