مسؤولية الدولة: امتحان حاسم لشرعية السلاح في لبنان


خاص 30 حزيران, 2025

التغيرات التي يشهدها الشرق الأوسط فرضت على إيران نفسها التخلي عن أحلام امتلاك السلاح النووي. والرسالة الأوضح إلى “الحزب” هي أنّ زمن تفرد الجماعات والأذرع بقرار الحرب في المنطقة قد انتهى، لصالح مرحلة استقرار وتنمية واستثمار في خدمة الشعوب وتأمين كرامتها. قد يستهجن البعض مصطلح “السلام” لكنه صار ضرورياً، إذ لا مستقبل في منطق القوة المفتوحة إلى ما لا نهاية

كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:

أقرّ الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم بأن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير أسّس لمرحلة جديدة عنوانها “مسؤولية الدولة”. هذا الإقرار يستدعي من الحكومة أن تستفيق من حالة المراوحة وتضع حداً لإضاعة الوقت ولانفراد “الحزب” بالقرار تحت شعار “النصر أو الشهادة”. المطلوب موقف واضح وحاسم، بعيد عن التلاعب بالمصطلحات، لمصارحة اللبنانيين أولاً، ولتقديم رؤية واضحة إلى “المجتمع الدولي” ثانياً حول آلية حصر السلاح بيد الدولة وحدها.

لقد دأب اللبنانيون – مسؤولين وأحزاباً – على التلكؤ في تنفيذ الإصلاحات المنصوص عليها في اتفاق الطائف عام 1989، وتطبيق الدستور بكل بنوده، وكذلك تنفيذ القرارات الدولية، ولا سيما 1559 و1680 و1701. لكنّ هذا النهج لم يعد قابلاً للاستمرار بعد قبول “حزب الله” بشروط وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، وإقراره عملياً بتفرّد إسرائيل في استهداف أي بنية عسكرية في لبنان ما لم تُسلَّم للجيش اللبناني.

وقد فسّر مراقبون التصعيد الإسرائيلي الأخير ضد مواقع الحزب بأنه رسالة واضحة موجهة إلى الحكومة اللبنانية، مفادها: إمّا أن تبسط سلطتها فعلياً على كل الأراضي اللبنانية، وإما أن تستمر إسرائيل بالقيام بهذه المهمة منفردة. في المقابل، يطالب الشيخ نعيم، الدولة بأن تتحمل واجبها في صدّ الاعتداءات، لكن الحقيقة تقتضي مصارحته بأن الطريق إلى حماية لبنان يمر حكماً عبر حصرية قرار السلم والحرب بيد الدولة، وبناء مؤسسات قادرة على صون سيادتها.

إن استعادة الدولة لهيبتها تتطلب من “حزب الله” أن يسقط ازدواجية الدور، وأن يتحوّل من أداة تستجلب الدمار والتهجير إلى عنصر داعم لاستقرار الدولة واسترجاع قرارها الوطني المستقل. الدعم الذي يعتبره “الحزب” واجباً أخلاقياً وسياسياً تجاه غزة، عليه أن يترجمه داخل لبنان بالمشاركة في مشروع الدولة الحقيقية، لا الدولة المشلولة.

المفارقة الصارخة أنّ “الحزب” نفسه يشارك في الحكومات، وله كتلة نيابية وازنة، ويتحكم بمفاصل أساسية من مؤسسات الدولة، لكنه في الوقت نفسه يمنع قيام هذه الدولة ويحتكر قرار السلاح. هذه الازدواجية الفريدة بين “المقاومة” و”السلطة” أدّت إلى شلل مزمن، وتآكل مؤسساتي، وفرار الاستثمارات من لبنان. وهنا تبرز الحاجة إلى مراجعة صريحة داخل بيئته المؤيدة، بعدما باتت كلفة هذا الخيار أكبر من أي مكسب محتمل.

قد تكون هذه لحظة نادرة تتقاطع فيها التحولات الإقليمية مع اهتمام دولي جدي، فتفتح نافذة حقيقية لإعادة وضع الدولة اللبنانية على طريق التعافي العالق في دهاليز “الحزب”. المطلوب من “حزب الله” ليس التخلي عن تاريخه، بل إعادة تعريف دوره ليصبح حامياً للدولة من داخلها، لا خارجها. تاريخ لبنان مليء بالأحزاب والتيارات التي رفعت السلاح وخاضت مشاريع كبرى، ثم عادت وذابت داخل الدولة. وقد أثبتت التجربة اللبنانية أنها قادرة على ابتلاع أي مشروع خارجي مهما كبر حجمه.

من هنا، فإنّ ملاقاة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون للتوصل إلى صيغة مشرفة لتسليم سلاح الحزب إلى الجيش اللبناني، قد تشكل خطوة استراتيجية تمنع إسرائيل من التفرّد مجدداً في تدمير البنية العسكرية للحزب بشكل مذل ودون أي رادع.

إن التغيرات التي يشهدها الشرق الأوسط فرضت على إيران نفسها التخلي عن أحلام امتلاك السلاح النووي. والرسالة الأوضح إلى “حزب الله” هي أن زمن تفرد الجماعات والأذرع بقرار الحرب في المنطقة قد انتهى، لصالح مرحلة استقرار وتنمية واستثمار في خدمة الشعوب وتأمين كرامتها. قد يستهجن البعض مصطلح “السلام” لكنه صار ضرورياً، إذ لا مستقبل في منطق القوة المفتوحة إلى ما لا نهاية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us