المؤامرات تحوم فوق كلّ الرؤوس… هل وصل صندوق بريد “داعش” السريع إلى لبنان؟


خاص 19 تموز, 2025

كلما دقّ الكوز في الجرّة يسري القيل والقال، وتُستجلب قصص المؤامرة والمكيدة والدسيسة والخطط السرية، ويبدأ اللبنانيون في السرد والهمس و”التلفيق” أحيانًا وفق المفهوم الشعبي لـ”حكواتي أيام زمان”. وفي آخر ما يسردون اليوم، قصص تنظيم “داعش” العائد على بساط رياح الشام. لكن، هل كلّ ما يُقال يُصدق؟ التحليلات كثيرة. القصص كثيرة. وعيون الناس “عشرة… عشرة” بحثًا عن غرباء الأطوار بينهم.

صدّقنا طبعًا أن الجيش اللبناني أوقف “قسورة” (أبرز قياديي تنظيم داعش) في لبنان. لكن، هل هذا يعني أن داعش هنا، بيننا، في المتن وسن الفيل وفي الشمال والبقاع والجنوب وبرج البراجنة وبيروت كل بيروت؟ العالم يغلي. الأفكار تغلي. سوريا تغلي. لبنان مشرّع على كل “الرياح” لكن، أليست دولتنا حاضرة للحفاظ على أمننا إذا كان من داعشيين بيننا؟ هل علينا أن نقلق ونخاف أم أن نتذكّر أنّ بعض المؤامرات تبدأ بفكرة تتطور إلى خطوةٍ فيها دم كثير؟ فهل نحن في أمان من المؤامرات الكثيرة التي تحوم حول رؤوسنا؟

كتبت نوال نصر لـ”هنا لبنان”:

 

قبل أن نغوص في “القيل والقال”، فلنقصد مباشرةً بلدة القاع التي عاشت قبل تسعة أعوام صيفًا ساخنًا وارتوى ترابها بدمٍ “قاعي” كثير. رئيس البلدية بشير مطر لم ينسَ ذاك اليوم الدامي من العام 2016. فهل يخاف اليوم أن يتكرّر؟ هل أخذت بلدة القاع الاحتياطات والتدابير للحؤول دون ذلك -لا سمح الله- إذا صحّ أنّ الدواعش باتوا بيننا؟ يجيب بما يفتح الباب على جملة أسئلة: “التجربة الأليمة التي واجهناها عام 2016 من قبل ثمانية انتحاريين نفذوا هجومهم على دفعتين لم تقدّم، في التحقيقات الأوليّة، إجابات مقنعة. داعش لم تتبنَّ العملية. ولم نعرف حقيقة من فجّروا؟ ومن كان وراءهم؟ وماذا كانت أهدافهم؟ أنا كمحامٍ ورئيس بلدية لم تُقنعني بعد تسعة أعوام نتائج التحقيقات. عرفنا ان شخصًا تمّ توقيفه قبل أربعة أيام من ذاك اليوم، فلماذا لم تتّخذ القوى الأمنية في حينه الاحتياطات اللازمة؟ ولماذا لم تأخذ احتياطات بعد العملية الأولى التي نُفذت يومها صباحًا ما أتاح للانتحاريين تنفيذ العملية الثانية مساءً؟ نحن اليوم، لا نزال ننتظر نتائج حادثة 2016 التي قيل إنّ داعش نفّذتها. هذا لا يعني طبعًا أننا نستبعد داعش من حساباتنا اليوم لكنّنا نخاف أن نتحوّل إلى “صندوق بريد” لتغطية وتسويق فكرة معينة هناك من يعمل حاليًا عليها. وهذا ما سبق وحدث أيضًا عام 1978 من خلال مجزرة القاع التي أرادوها لبعث رسائل”.
تبدو القاع، البلدة الحدودية مع سوريا، قلقةً اليوم من تفلّت الحدود واستسهال دخول من هبّ ودبّ إليها، أكثر ممّا هي خائفة من بعبع داعش “فهناك من يستفيدون من تهريب البشر، هم من كل المذاهب والملل والانتماءات، ولا عداوات بينهم تظهر إلّا عند اقتسام مغانم التهريب”.
في هذا الإطار، يُطرح في الأرض البقاعية المنبسطة، القاع، السؤال التالي: “منذ شهرين تقريبًا أوقف الجيش أحد رؤوس المهربين، بعدما أدخل عبر الحدود الفالتة، 2700 شخص. يعني بعدد ثلاثة ألوية في الجيش، فأين أصبح هذا المهرّب؟ بماذا حُكم؟ هل هو لبناني؟”.

ذهبنا نسأل القاع عن داعش فأجابتنا عن آلافٍ يدخلون خلسةً وليس معروفًا مجازيًا “كوعهم من بوعهم”. هؤلاء قد يشكّلون عصابات أكثر خطرًا من داعش.
المطلوب اليوم من حكومتنا الجديدة قليل من الشفافية مع الكثير من العقل ورَشَّة جرأة وملعقتَيْ حكمة لتُعيد لناسها الثقة بأنّهم أصبحوا في دولة. وعندها يقولون وما همّنا من هدير داعش.
داعش في لبنان؟ وكأنّنا عدنا عقدًا من الزمن إلى الوراء. فمتى نستيقظ ونخرج من القمقم؟ شابان سوريان أوقفا في مدينة صيدا كانا -وفق القيل والقال- على علاقةٍ بتنظيم داعش. خليةٌ أوقفت في برج البراجنة للاشتباه بارتباطها بالتنظيم الإرهابي. داعشي أوقف في كسروان. داعشيون يدخلون إلى لبنان عبر مرفأ طرابلس لارتكاب عملياتٍ إرهابيةٍ. أوقفت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني ثمانية اشخاص في المتن الأعلى يشتبه -كما قيل- بانتمائهم إلى داعش… فهل نصدّق كل هذه القصص؟
هناك، في طرابلس، الكثير من الضجيج حول هذا الموضوع. وهناك، مَن يشير إليها، في كلّ مرّة يريد إعطاء صبغةٍ مذهبيةٍ بين سنّةٍ وشيعةٍ. ما رأي الدكتور مصطفى علوش في “القيل والقال”؟ يجيب: “فليتذكّر الجميع أن تنظيم داعش لم يظهر يومًا في طرابلس. لا مكان للداعشيين هنا”. ويستطرد: “صحيح أنّ هناك من يُلمح إلى طرابلس في كلِّ مرة يرى نفسه فيها “محشورًا”، باحثًا عن سببٍ متجدّدٍ لبقائه. هذا هو الإفلاس. هذا لا يعني طبعًا أنّنا ننفي وجود داعش في المطلق في مكانٍ ما، في العراق ربّما، وفي سوريا أيضًا، وربّما في فرنسا وأميركا وحتّى في الضاحية الجنوبية. الداعشيون من كل الطوائف. أمّا التركيز على طرابلس، ففيه الكثير من الغباء. حزب الله كلّ ما يهمه الآن هو “شيطنة السنّة” ليتمسّك بسلاحه”.

لم تولد داعش عن عبث. ولم تتجدّد اليوم ولادة داعش عن عبث. حتّى الأطفال في لبناننا باتوا قادرين على إدراك هذا. ثمّة إرهابيون؟ نعم. هناك من يضمر شرًا؟ نعم. لكن، من قال إنّ داعش وحدها من تخيف اللبنانيين؟ هناك كلام كثير يحوم اليوم عن اغتيالاتٍ قد تحدث. وكثير من الزعماء -المرشحين على لائحة الاغتيالات- بدأوا يأخذون أقصى الحيطة والحذر ويعتذرون عن تلبية مُختلف المناسبات.

في هذا الإطار، يقول جنرال سابق “إنّ الوضع خطير. وكلّ حادث أمني قد يحدث سيعطي حتمًا بعدًا إقليميًا. وكلّ إنسان يُفترض أن يكون اليوم خفيرًا ليس ليقي نفسه من داعش، بل من الدواعش”.
ما يحصل اليوم يُشبه ما حصل بُعَيْدَ الثورة السورية. يومها، هناك من بدأ استخدام داعش كردعٍ تحت عناوين: تريدون الثورة؟ إليكم إذًا بداعش. هل تريدون يا ثوار أن تحكمكم داعش؟. يومها، مئات الفصائل والألوية والكتائب “فرّخت”، بعضها أشبه بمصّاصي الدماء. اليوم، السيناريو نفسه يتكرّر: تؤيّدون النظام السوري الجديد الخارج من رحم “هيئة تحرير الشام”؟ إليكم إذًا بداعش. تريدون نزع سلاح حزب الله؟ انتظروا إذًا داعش المتربصة وراء جدران الكنائس والحسينيّات.

سوريا أحمد الشّرع ليست بخير. أوّل من أمس، البارحة “دُكّت” بالغارات الإسرائيلية. وداخلها يغلي. وحدودنا المشتركة متفلتة. فإذا لم نكن نخشى من بعبع داعش فماذا عن كل “الزعران” المشرّعة للحدود أمامهم؟
كلّ هذا يدور في مرحلةٍ فائقة الدقّة في شرق أوسطٍ مختلفٍ. حزب الله -اعترف أم لا- خارت قواه حتى ولو كان مصرًّا على الاستمرار بالاستقواء على الداخل – والصياح باتجاه الخارج. هو، ما زال يصرّ على القول إنّه وحده يحمي المسيحيين والسنة والشيعة والدروز. هو ولا أحد. هو الجنّة والسماء والوعد الصادق والوفاء والإخلاص. حزب الله ما زال مثل “ديكٍ” يعتقد أنّ الشمس تُشرق كل صباح لكي تستمتع بمهارته في الصياح. وهذا الديك وحده القادر على أن يلجم داعش هذا الزمان.

التنظيمات الإرهابية النشطة كثيرة. هناك، في السويداء رأينا الكثير منها. وهناك من يُشبه الدروز بلوحٍ زجاجيّ إذا انكسر طرف منه “طقطق” كلّه وأي إصابة قد يتعرّض لها دروز سوريا تعني كلّ دروز المنطقة. فماذا عن حال أبناء الطائفة؟ هناك نحو مئتي ألف مواطن درزي في لبنان، وهناك في المقابل في سوريا نحو 500 ألف، وفي فلسطين يوجد خمسون ألفًا في حين لا يزيد عدد الدروز في الأردن عن عشرين ألفًا. فهل ستنتهي أحداث السويداء في السويداء؟

في كل حال، لزامًا، على دولتنا، التنبّه جيدًا. صحيح أنّ الجيش اللبناني موجود لكن الحدود تستمرّ “فالتة”. لذا، الله ينجّينا ليس فقط من داعش، بل من كل من هم على شاكلة داعش. فالمرحلة ليست أبدًا آمنةً سالمةً مطمئنةً مستقرّةً.
البارحة، ذهبت مجموعة نساء مع أطفالهن في رحلة إلى “سيدة النورية” في حامات البترون. نزلن من الباص وتوجهنّ نحو الكنيسة. فأطلّ الكاهن عليهنّ قائلًا: “صلّوا الأبانا والسلام بسرعة وغادرن. يقال إنّ داعشيًا في الحقول”. قال الكاهن ما سمعه. ونقلت النسوة ما سمعنه. إنّها الهستيريا الداعشية الجديدة في لبنان العائم على جنون وروائح دم وقلق في كلّ المحيط.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us