العشائر والعائلات و”الحزب”: “ليتشلع البلد ويبقى السلاح”!


خاص 9 آب, 2025

… وبدأ العدّ العكسي لشيءٍ ما. هناك من يهولون بالقول: الحرب الأهلية راجعة. وهناك من سبق وعارضوا سلاح حزب الله من “المكوّن الشيعي” عادوا يهتفون اليوم: شيعة شيعة. وهنالك من يتحججون “باللادولة” ليقيموا القيامة على من يطالبون بنزع سلاح حزب الله. وهنالك أيضاً وأيضاً من يراهنون على تحريك الجماعات النائمة تهرباً من استحقاقات حتمية. فهل التهويل بالحرب مجرد تكتيك؟ هل سيقف حزب الله في المرحلة القريبة وراء العشائر الشيعية من بيت زعيتر وبيت طليس وأمهز والمقداد ودندش وشمص وجعفر …؟ هل نحن أمام حفلة جنون أخرى قد تكون الأخيرة؟ حزب الله في حشرة؟ في “بيت اليك”؟ أليس من يُحشر “يخربش” يميناً ويساراً؟ ماذا ينتظرنا؟ هل الشيعة في خطر أم أنّ السنة والموارنة والدروز والبلد بأمِهِ وأبيه في خطرٍ أيضاً؟ ثمة أشياء كثيرة تغيرت. وهناك أشياء تتغير. فلنتوجه إلى الشيعة أنفسهم- إلى العشائر والبيوت الشيعية- لسؤالهم: ماذا بعد؟

كتبت نوال نصر لـ”هنا لبنان”:

كما توقع كثيرون، نزلت “الموتوسيكات”- بعد إقرار مجلس الوزراء خطة نزع سلاح حزب الله- وصرخ راكبوها: شيعة شيعة. رموا تهمة “الصهينة” يمنة ويسرة وهم ليسوا بريئين أبداً منها. هو مشهدٌ- بات سخيفاً- إعتادوا أن يفعلوه. إنهم يريدون السلاح الذي لم يتمكنوا من حماية أحد به. لكن، هناك من لا يريد- في ما تبقى من وطن- إلا السلاح في يد الجيش اللبناني.

باختصار، شبعنا فجوراً. ولا نريد إلا: الدولة. فهل هذا كثير علينا؟ حتى في بلاد “الهونولولو” توجد دولة. وفي بلاد السند والهند هناك جيش. وفي بلاد الناس هناك دساتير وحقوق وواجبات ومياه وكهرباء وهواء نظيف. فلماذا نبقى هنا تحت سلطة من يقول: أنا ومن بعدي الطوفان؟ وكلما دقّ الكوز بالجرة خرج بطبل وزمر وقبع الأرصفة وزجر بأبيات تفضي إلى دمار لا إلى إعمار. نعم، خرج مستولداً مزيداً ومزيداً من الدمار. فيا من تسمون أنفسكم “أسود الضاحية” كفى. رجاءً كفى.

المفارقة، أنّ حزب الله يقول: لست أنا المسؤول عن التحركات في الشارع بل الناس، البيئة، المكون الشيعي، العشائر، وليس الحزب. نصدق؟ تعالوا نراقب الشارع بعيون العارفين.

منذ بروز حزب الله كقوة سياسية وعسكرية في لبنان، شكّلت العشائر البقاعية أحد أبرز مكونات البيئة الإجتماعية التي أحاطت به، ونسجت معه علاقة متداخلة ومعقدة، لا يمكن اختصارها في ثنائية موالاة أو معارضة. فالعلاقة بين الطرفين اتسمت بتنوع الأدوار والوظائف، حيث تداخل التحالف بالتنافس، والتكامل بالتصادم ضمن معادلة تحكمها ضرورات اللحظة ومصالح الطرفين. وها نحن في “لحظة” فيها ضرورات ومصالح. فأين تكمن الملائكة والشياطين بينهما في مقاربة لحظة آب 2025؟

منذ ترسيخ “الحزب” وجوده في البقاع بعد التسعينات، بات لزامًا عليه أن ينسج صيغة تعايش مع بيئة عشائرية شديدة الخصوصية، متجذرة بعاداتها، عصبياتها، وقواعدها الاجتماعية، والتي لا تنخرط بسهولة في البنى التنظيمية المعقدة.

في مراحل عديدة، شكّلت العشائر أحد روافد القوّة الشعبية للحزب. فمن جهة ينتمي قسم من أبناء العشائر إلى القاعدة الاجتماعية التي تحتضن مشروع “المقاومة”، وقد انخرط بعضهم في صفوف الحزب أمنيًا وعسكريًا، وينظر العديد من أبناء العشائر للحزب كونه قوة مقاومة، واجهت العدوّ الإسرائيليّ، ودافعت عن كرامة الشيعة في لبنان، ما خلق حالة تأييد شعبي. ومن جهة ثانية، تحققت شراكات انتخابية متكرّرة بين الحزب ووجوه عشائريّة، ضمّت تمثيلًا للعشائر ضمن لوائح الحزب النيابية، ولا تزال بعض الأسماء والوجوه تتكرّر منذ دورات نيابية عدّة، ما سمح للحزب بتعزيز حضوره السياسي والمؤسساتي داخل العشائر والعائلات.

ولم يقف الأمر عند حدود السياسة، بل تعدّاه إلى تعاون أمنيّ في بعض المناطق، حيث أدّت العشائر أدوارًا محليّة في ضبط الأمن، أو المساعدة على تسوية النزاعات، تحت غطاء الحزب أو بتنسيق غير مباشر معه. هذا التعاون جاء كجزء من استراتيجية “الحزب” لبسط السيطرة الناعمة على بيئته الخلفية، خاصةً في المناطق التي لا يستطيع الوصول إليها عبر أجهزته الحزبية وحدها. وأدّت العشائر دورًا في ضبط الأرض عندما احتاج الحزب إلى غطاء اجتماعي غير حزبي.

إذا عدنا قليلاً الى الوراء، عشرة أعوام الى الوراء، يوم وضع ملف السلاح- كما اليوم- على بساط البحث، صدر بيان باسم عشائر البقاع دعماً لحزب الله ورفضاً لطرح بند السلاح في جلسة مجلس الوزراء. هذا البيان لم يكن تفصيلاً آنذاك، وإن كان الحزب نفى علاقته بالبيان من قريب أو بعيد، واضعاً إياه في خانة التسريبات من جهات تريد زرع بذور التوتر على الأرض. يومها وضعت جهات مطلعة بيان العشائر في إطار “التوازن النفعي” بين الجهتين. اليوم، تُطرح المسألة نفسها: ماذا عن هذا التوازن النفعي؟ هل ستقف العشائر مكتوفة اليدين؟

خضر طليس، أحد وجهاء العشائر في البقاع، مستاء من كل ما يحصل ويقول “بتقديري سنرى في الفترة المقبلة ما هو أكثر من الحروب، فالعشائر ترى اليوم نفسها في خطر”. نعم، حزب الله نجح في تعزيز المخاوف لدى العشائر وسواهم من وجود “الجولاني” (أحمد الشرع) عند الحدود. ماذا يعني ذلك؟ يجيب طليس “انا كشيعي، مهما عارضت الثنائي، ما يحصل اليوم يجعلني خائفاً، ما يجعلني واقفاً الى جانبهما وملتحقاً بهما”. لكن، ألا يريد هو وسواه الدولة اللبنانية؟ ألا يثق وسواه بضرورة توفير الحماية من الجيش اللبناني ولا أحد سواه؟ يجيب “الجيش لن يحميني”. هل حزب الله يستطيع ذلك؟ هل حماه وحمى المكون الشيعي ولبنان؟ يجيب “الجيش اللبناني بكانا. بكى بيوتات كثيرة في البقاع. البارحة قتل أبو سلة بدل أن يقبض عليه ويحاكمه. وقبلها أعدم عدد من المطلوبين بدل القبض عليهم. الجيش أساء التعامل مع الفوضى في البقاع وهذا ما جعلنا غير مقتنعين بأنه سيحمينا”. لكن، ألا يرى أن الجيش اللبناني كان يحاول- وطويلاً- تجنب المواجهة مع حزب الله الذي يحمي العشائر من أجل الإبقاء على “التوازن النفعي” معها؟ واليوم، يستخدم نفس التكتيك من حزب الله من أجل القول أن الجيش اللبناني عاجز عن التعامل مع الأرض؟ يجيب خضر طليس “فليحمني الجيش لأتعامل مع الثنائي. فليبرهن أنه قادر على ذلك عملياً. فليجعلني أتأكد أنني مواطن لبناني لا ابن عشيرة بقاعية التعامل معها يتم ببطش”.

مهمة الجيش ليست مفلوشة بورود. نعرف هذا. لكنه جيش البلاد. يذهبون كلهم. يتقهقرون ويفترض أن يبقى الجيش اللبناني الركيزة. لكن، كيف نقنع من يظن انه حمايته لا لن تكون إلا من خلال الثنائي الشيعي؟

الشيخ عباس الجوهري يراقب بدوره الأحداث الأخيرة ويقول “أنا من العائلات. أما العشائر فموجودة بغالبيتها في الحزبين الشيعيين. ومعظم نواب المنطقة يختارون من العشائر: آل الزعيتر وآل حسين وآل مقداد وآل حمادة… ليست العشائر كياناً منفصلاً. حزب الله يستخدم- وسيستخدم- كل العالم تحت عناوين: أهالي الشهداء والعشائر. لهذا قرار الحكومة الأخير نزع سلاح الحزب جعل جميع الشيعة يصطفون ضده. البيئة الشيعية باتت تشعر اليوم أنها مستهدفة شخصياً. وأن تسليم السلاح سيجعلها أمام مستقبل مظلم وقد تذبح كالخراف. هذا ما نسمعه اليوم في الشارع الشيعي على امتداد الوطن. الحكومة، برأيي، استطاعت إصدار القرار لكن هل ستستطيع تنفيذه؟”. يسأل الجوهري هذا ويجيب: “اعتقد ان تنفيذ القرار سيؤدي الى حرب أهلية. كل الشيعة يشعرون اليوم أنهم مستهدفون. الحزب نجح في تعزيز هذه الفكرة. لذا المطلوب عدم استفزازها لأنها كلما استفزت كلما زاد ولاءها للحزب. ويستطرد الجوهري بالقول: على الرغم من بلطجة الرئيس نبيه بري غير ان المكون الشيعي يرى أنه الوحيد القادر اليوم على تعزيز مشاركة الطائفة مع النظراء في الحكم. هناك رئيس حكومة سني وهناك رئيس جمهورية مسيحي ماروني أما اطائفة الشيعية فترى أنها بلا بري وسلاح الثنائي ستذوب”.

ماذا يعني كل هذا، هل علينا استرضاء الطائفة على حساب الإبقاء على سلاح بات يُدمر ولا يُعمّر؟ يجيب الجوهري “ما أراه أن المعتدلون الشيعي باتوا من هذا الرأي. إنهم- مني وجرّ- باتوا ملزمين السير بهذا المسار. نحن نرى اليوم اننا لا يمكننا ترك الجماعة بعدما كنا مقتنعين بوجوب إحداث التغيير من الداخل”.

والحلّ؟

يبدو أن لا حلّ- برأي أبناء العشائر والعائلات الشيعية- إلا بالتراجع عن نزع سلاح الثنائي وإلا… الحرب. ماذا يقصد من كان معارضاً شيعياً بالحرب؟ يجيب “أخاف من إنقسام الجيش والبلد ومن فيه”.

هنا، يبرز دور العشائر الشيعية من خلال طرح أسئلة جدية حول إمكانية تحولها الى رقم صعب في التوازن الداخلي، خصوصاً مع إستدراجها الى ملف “السلاح” اليوم. اليوم، تشهد العلاقة بين حزب الله والعشائر والعائلات تلاق. والمستفيد الأول من كل ذلك هو حزب الله، المستعدّ لقسمة البشر والأرض وتدمير الأخضر واليابس، مقابل التمسك بسلاحه تحت حجة: المقاومة. مقاومة الحزب إسرائيل صارت في خبر كان والمرحلة المقبلة ستشهد: مقاومة حزب الله لبنان الدولة والجيش والـ 10452 كيلومترا مربعاً.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us