ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص على نار حامية

يعتبر تحريك ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص بعد زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى قبرص ذا أهمية عالية ومن شأنه تحويل هذه القضية إلى قضية شراكة اقتصادية تحقق مكاسب للبلدين، إلا أنّ ذلك يحتاج إلى دراسة تقنية وفنية عالية الدقة
كتبت إليونور اسطفان لـ”هنا لبنان”:
يعود ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص إلى الواجهة مجدداً مع الإجتماعات التي تعقد في بعبدا والسراي ومجلس النواب وذلك لاستكمال المشاورات حول عملية الترسيم بين البلدين بعد مرور 17 عاماً على الاتفاق الأولي في العام 2007 والذي لم يوقع مع قبرص بل جرى الإتفاق على مبدأ “خط الوسط”. ويعتبر تحريك الملف بعد زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون الى قبرص ذا أهمية عالية ومن شأنه تحويل هذه القضية إلى قضية شراكة إقتصادية تحقق مكاسب للبلدين.
إلا أن ذلك يحتاج إلى دراسة تقنية وفنية عالية الدقة، وقد بدأ لبنان بذلك عبر تشكيل لجنة برئاسة وزير الأشغال فايز رسامني وخبراء وتقنيين لمتابعة هذا الملف، وكانت آخر إجتماعاتها الخميس مع لجنة الأشغال النيابية برئاسة النائب سجيع عطية بحضور خبراء مختصين ومتطوعين من القطاع الخاص من أجل سماع وجهات النظر المختلفة.
النائب سجيع عطية وفي حديث لموقع “هنا لبنان” أكد أنّ الإجتماع كان علمياً وتقنياً لكنه لم يتوصل إلى شيء نتيجة المزايدات ونحن لا نريد تكرار الأخطاء التي حصلت في ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وهذا الملف يؤثر أيضاً على ترسيم الحدود مع سوريا. وأضاف عطية أن اللجنة التي شكلتها الحكومة برئاسة الوزير رسامني لديها وجهة نظر منطقية بأنهم متخوفون من نقض الإتفاقية السابقة مع قبرص إلا أن الخبراء لديهم وجهة نظر أخرى والخلاف حصل حول احتساب المساحات ومسألة التحكيم. لذلك نحن أمام وجهتي نظر والدولة تستعجل الأمور من أجل اعتبار القضية إنجازاً لها. وأكد عطية أنّ التوصية ستكون بالتريث من أجل توحيد الموقف اللبناني وإيجاد القناعة والتأكد من المساحات التي أخذها لبنان، ولذلك علينا الاستعانة بخبراء دوليين لاستدعائهم إلى لبنان وقد تم تسمية خبيرين مهمين للتعامل معهما على أن تشكل لجنة نيابية من أصحاب الإختصاص ولجنة الدولة كي نكون رأياً واحداً في قضية استراتيجية وحساسة وسيادية كهذه، وخلال شهر سنعقد جلسة ثانية للتشاور والنقاش واستدراك الأمور قبل توقيع أي إتفاق جديد”.
وعلى الرغم من نفي عطية أي خلاف مع الوزير رسامني إلا أنه يبدو أنّ وجهات النظر بين اللجنة المكلفة من قبل الدولة ولجنة الأشغال النيابية متباينة حول هذا الموضوع الذي يحتاج إلى دراسة متأنية لتجاوز العقبات خصوصاً أنّ قبرص لديها رغبة في إيجاد حل لهذا الملف الحساس الذي يعتبر فرصة للبنان للتأكيد على حقوقه الإقتصادية في البحر، وهو ما عبرت عنه خبيرة الحوكمة في مجال النفط والغاز لوري هايتيان لموقع “هنا لبنان” مشيرة إلى أن حسم مسألة الحدود البحرية مع قبرص يشكل خطوة مهمة على طريق إستعادة الثقة بلبنان الذي يحاول الخروج من أزماته وعزلته إضافة إلى ثقة الشركات الدولية التي تعنى بقطاع النفط والغاز. ولفتت هايتيان إلى أن لا نزاع بين لبنان وقبرص حول الحدود والعلاقات جيدة بين البلدين وهو أمر من شأنه أن يسهل عملية التفاوض بين الجانبين، لكن على لبنان التنبه إلى بعض الأمور التقنية ووضع بنود إضافية كمبدأ التجزئة في حال وجود مكامن مشتركة للنفط والغاز، وبسبب الأزمة التي حصلت في العام 2022 بعد إبرام الإتفاق مع إسرائيل يجب المطالبة أكثر بمسألة الحقوق ووجود طرف ثالث للتأكيد على هذه الحدود عند الترسيم.
ونبهت هايتيان من موقف تركيا حيال هذا الأمر والتي تتحفظ دائماً على موضوع الترسيم البحري، وتعتبر أن قبرص لا يحق لها القيام بذلك مما قد يشكل عقبة أمام لبنان وعليه أن يجد حلولاً دبلوماسية إستباقية مع الجانب التركي. لا سيما أن قبرص ترى في الترسيم مع لبنان خطوة ضرورية لإنهاء النزاع مع تركيا والتي ترفض أي اتفاق بحري لا يشمل جمهورية شمال قبرص التركي، واعتبرت أنّ المفاوضات مع سوريا حول الترسيم لا تقل أهمية أيضاً عن الوضع التركي.
وعلى خط آخر يبدو أنّ موضوع النفط والغاز عاد إلى التحرك أيضاً من بوابة لقاءات وزير الطاقة جو صدي في باريس حيث أطلع رئيس الجمهورية جوزاف على نتائج لقاءاته مع المسؤولين في شركة توتال، وأكدت مصادر الوزير صدي لموقع “هنا لبنان” أنه لا يريد الكشف عن فحوى إجتماعاته نظراً لدقة وحساسية هذا الملف.
إلا أن مصادر متابعة كشفت لموقعنا أنّ العقد الموقع بين لبنان وفرنسا عبر شركة توتال قد إنتهى في أيار 2025 وأن هناك مفاوضات كي تتقدم الشركات مجدداً ومنها توتال على جولة التراخيص الثالثة قبل انتهاء المدة بعد شهرين مما يعيد الثقة بلبنان، وكل ذلك مرتبط بالأوضاع الأمنية وحالة الإستقرار التي قد تنشأ بعد تنفيذ خطة الجيش اللبناني حول نزع السلاح وحصريته بيد الدولة ووقف الإعتداءات الإسرائيلية، وبحسب المصادر فإنّ هذا الموضوع قد يكون مدار بحث بين الرئيس عون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يعمل على عقد مؤتمرات دعم لبنان وجيشه وإعادة إعماره على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويرتبط التشجيع الفرنسي خاصة والأوروبي عموماً للبنان في موضوع النفط والغاز وترسيم الحدود مع قبرص عبر التفاهمات بقضايا إستراتيجية من شأنها ضمان أمن الطاقة في البحر المتوسط. وقد يكون هذا الأمر في صلب مداولات الإتحاد الأوروبي الذي ستترأسه قبرص في شهر آذار المقبل بعد أن أبدى الرئيس القبرصي استعداده لمساعدة لبنان في أي مجال يريده والتي ترغب السلطات اللبنانية في مناقشتها وطلب تكليف مسؤول لبناني في أسرع وقت ممكن، بالتواصل مع وزيرة الشؤون الأوروبية في قبرص من أجل التحضير لإتفاقية التعاون الاستراتيجي بين لبنان والاتحاد الأوروبي.
قد يدخل ملف الترسيم بين قبرص ولبنان حيز التنفيذ قريباً في حال تأمنت الإرادة السياسية وحولت الحكومة هذا الإنجاز إلى فرصة جديدة لقيام لبنان من أزماته.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() تحديات جمّة تواجه انعقاد مؤتمرات دعم لبنان… وفرنسا تؤكد على تنظيمها! | ![]() سلاح المخيمات بين “فتح” و”حماس”: تنسيق فلسطيني – لبناني يواجه عقدة التوازنات | ![]() بين جوزاف عون وسمير جعجع |