عامٌ على رحيل السيّد حسن: أضيئت الصخرة… فهل “الشيعة” بخير؟

إنه التحدي. أضيئت الصخرة. فهل “الشيعة” يا ناس بخير؟ لا، لم يعدّ المشهد تماماً كما كان. الأمور تتغيّر. عقارب الساعة تدور ومحاولة الإمساك بتفاصيل الماضي- نسخة طبق الأصل- لم تعد مجدية. في زحمة التطورات الملبدة من كل حدبٍ وصوب، تغيرت الضاحية- في المضمون- كثيراً. وإن كان هناك من يحاول إبقاءها رهينة بُعد: الدويلة. قصدناها في أواخر أيلول هذا. قصدنا طريق المطار وحارة حريك والجاموس وبئر حسن والشياح ومعوض والمشرفية وجادة هادي نصرالله وطريق الجنوب… جلنا متلمسين لغة الأرض فوجدنا ناسها مشغولين بهمومٍ أشدّ من قدرتهم على الإحتمال. قصدنا الكورنيش البحري. وقفنا قبالة صخرة الروشة. راقبنا تكوّن موج خريف 2025. وشعرنا قبل ساعات من توجه أتباع “الحزب” الى “الصخرة” بفزع باعة عرانيس الذرة وغزل البنات وقناني المياه والفول السوداني ورواد الكورنيش من أيام سوداء قد تتجدد. سنة، بالتمام والكمال، على أيلول ذاك، الذي اهتزّت فيه المدينة وصار ما صار. فماذا في قصص من يحسبون في خانة “بيئة المقاومة”؟ وماذا في مشهدية “البيئة” في الشكل وفي المضمون، وشتان ما بين الإثنين!
كتبت نوال نصر لـ”هنا لبنان”:
البارحة، بينما كانت عقارب الساعة تدنو من السادسة عصراً، كانت سماء الكورنيش البحري “ملبدة” بالغيوم. حلت الساعة. زوارق وأعلام وشعار “إنّ حزب الله هم الغالبون” وهتاف “شيعة شيعة شيعة”… وكأنّ الزاحفين تقصدوا التحدي والإستفزاز. فماذا يعني أن يصرخوا “شيعة شيعة” في مناسبة قالوا أنهم يريدونها جامعة وطنية؟ اعتلوا صخرة الروشة ورفعوا صور سيدهم حسن نصرالله. ومكبرات صوت وأناشيد “نحن قومٌ حين نستشهد ننتصر”. هدير يشتدّ في السماء فيصرخ أحدهم: أهربوا أهربوا أتى الصهاينة. دعابة تجعلهم يضحكون كثيراً. وبين نحيبٍ وضحكٍ مرّت المناسبة التي تقصّد “الحزب” أن يحشد لها بصورٍ جذابة- زوارق تروح وتجيء، وأناشيد وموسيقى ومؤثرات ضوئية- ليقول لجماعته: أنا ما زلت هنا. وليقول للآخرين: أنا ما زلتُ قادراً أن أقرر. فعل ذلك “زارعاً” اسم وصورة الشيخ الشهيد رفيق الحريري ليُخفف من “وطأة” تحديه. لكن، هل سينجح في ذلك؟ أضيئت الصخرة غصباً عن الدولة. “متظاهرو الصخرة” أتموا البارحة “فعاليتهم” في قلب بيروت، بيروت رفيق الحريري… تحدوا الدولة وبيروت وفعلوا ما أرادوه… لكن ماذا عن الشيعة؟
بعيداً عن صخرة الروشة، كيف هي المناطق المحسوبة على “البيئة” قبل يوم واحد من ذكرى 27 أيلول الأولى؟ طريق المطار بدت “هادئة” الى حدٍّ ما. رايات صفراء علقت على الأعمدة تغلب فيها صورة أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم. صورتا السيد حسن والسيد صفي الدين بدتا أقل. “نحن أهل هذه الأرض هنا ولدنا وهنا نموت”. يافطة معلقة. باعة الحشائش بالعشرات يمسحون عرقهم. هؤلاء بدوا وكأنهم نسوا التواريخ وما عادوا يبالون بالمناسبات. كتائب عزّ الدين القسام طبعوا شعارهم على عجل تحت الجسور وغادروا. ثمة زحمة. وزارة الأشغال تعيد تأهيل الفواصل على طريق المطار. الدولة عادت؟ جميل هذا الشعور. يافطة عليها صورة الخامنئي وشعار من أقوال قاسم سليماني علقت حديثاً. بالأبيض يطل السيد حسن بين حين وآخر. وكلما اقتربنا من المطار أكثر اختفت اليافطات أكثر. ويافطة تجعلنا نبتسم: “لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه”. نقترب من شابٍ يتكئ على عمود. نسأله عن مشاعره في المناسبة فيجيبنا: “ليش شو في؟”. الناس تغيروا. نأخذ أوتوستراد الجنوب. نعبر النفق الأول ثم الثاني. وزارة الأشغال تعمل هنا أيضاً. نفقا المطار أضيئا كما نفق المدينة الرياضية. لا صور ولا رايات ولا يافطات تنتشر “فوق العادة”. مشاهد تجعلنا نوقن أنّ “الهموم” باتت في مكانٍ آخر.
“هذا الطريق سنكمله”. يافطة معلقة في حارة حريك. وبالقرب، والدة تضرب طفلها على يده لأنه تجرأ وعبر الطريق متهوراً. “الشهيد السعيد”. عبارة تُذيل صور شباب تدمى لهم القلوب. فمن قال أنهم سعداء وأهلهم وأحبابهم سعداء؟ الردم ما زال كثيراً لكن الكثير من الطرقات الرئيسية عُبدت حديثاً. نمرّ على أوتوستراد هادي نصرالله صور الشيخ نعيم تزيد. والأستاذ نبيه (رئيس مجلس النواب) يطلّ في صوّر جديدة من فوق المباني وأعمدة الكهرباء. نكاد نشعر أننا نتابع مباراة بعنوان: من الأقوى؟ وحدهم أصحاب عربات الخضار لم يعلقوا إلا صوّر السيد ولا أحد سواه. “كل يوم عاشوراء كل أرض كربلاء” هناك من أصرّ على تذكير الناس بهذه المقولة. في المقابل، صاحبة محل “لآخر نفس” غردت في سربٍ آخر: “لآخر نفس أنا بنت المقداد”.
تفاح لاسا بيع في اليومين الماضيين بكثرة في الضاحية الجنوبية. سألنا نساء يشترين التفاح عن هذه الأيام المرّة فأجبن: كيلو التفاح بمئتي ألف ليرة. محبو السيّد ليسوا قليلين لكن هموم من يسموا “بيئة المقاومة” باتت أبعد بكثير من بندقية. فهل يعي “الحزب” ذلك؟
نتابع جولتنا. ثمة طريق يمين وأخرى شمال. واحدة تأخذنا الى مجمع سيد الشهداء وأخرى توصلنا الى مجمع القائم. وكلاهما تتشابهان في الشكل والمضمون. ركام وبعض يافطات ورايات وكثير من الوجوه المنهكة. لا، ليست كل وجوه “بيئة” حزب الله مثل تلك التي ظهرت في “نشاط التحدي” على صخرة الروشة. ثمة شيعة باتوا يؤمنون بأن لا شيء سيحلّ بعد اليوم بدلاً عن الدولة اللبنانية.
على أمل أن تمرّ آخر أيام أيلول بهدوء. “الحزب” تحدى. الحكومة – التي تضمّ وزراء من الحزب – ظهرت البارحة بلا هيبة. فماذا بعد أيلول؟