“نصري خوري تعب ونحن أيضًا”… “طار” الأسد… فمتى نتحرّر من المجلس الأعلى اللبناني- السوري؟!


خاص 3 تشرين الأول, 2025

يوم هرب بشار الأسد ورفرف علم الثورة في سماء سوريا، انتشرت دعابات كثيرة في لبنان بينها: نصري خوري – أمين عام المجلس الأعلى السوري – اللبناني – أصبح jobless. يضحك اللبنانيون غالبًا لمآسٍ عاشوها. يضحكون ليصمدوا ويتابعوا. ولو لم يكونوا من هذا الصنف لفقعوا من زمان. ثلاثمئة يوم على ذاك السقوط المريع لنظامٍ روّع ناسنا بقدر ما روّع ناسه. ألا تكفي الأيام الثلاثمئة لطرح السؤال بصوتٍ عالٍ: ماذا عن ذاك المجلس الأعلى السوري – اللبناني الذي ليس لبقائه -كما لم يكن لوجوده يومًا- داعٍ؟ هناك، من سيجيب: “روقوا شوي… ومن شرب البحر لن يغصّ بالساقية”. بلى، من بلع البحر ونجا قد تخنقه نقطة إضافية. ألغوا المجلس الأعلى السوري – اللبناني أو – أقله – أقيلوا نصري خوري. هو تعب -بحسب معارفه- ونحن أيضًا.

كتبت نوال نصر لـ”هنا لبنان”:

قبل أيامٍ قليلةٍ، في مؤتمرٍ أقامه “القومي السوري” في لبنان، انتخب نصري خوري عضوًا في المجلس القومي الأعلى. ممتاز. وجد خوري مكانًا يتسلّى به ويحبه – وهو القومي السوري روحًا وأداءً منذ تعيينه رئيس المجلس الأعلى السوري – اللبناني. ضحكت علينا سوريا الأسد -كما اعتادت- فعيّنت لبنانيًا في الهوية، سوريًا قوميًا حتى النخاع في الانتماء، رئيس المجلس. وهذا ما يسمّى “ضحكًا على الذقون”.

طار بشار. سوريا تتغيّر. كبر اللبنانيون. نضجت الأحداث. ووُعدنا بجمهورية لبنانية تُشبه أحلامنا. لم نملّ بعد بل نتمنّى وننتظر. وإحدى الأمنيات أن نعرف جدوى إبقاء وجود مجلس أعلى لبناني – سوري بعدما أنشئت سفارة بين البلدين. أمنية صعبة؟ مستحيلة؟ العهد وعدنا بأمور كثيرة وحلّ هذه المسألة يُفترض أنه ليس بالأمر الصعب. فمن يتخاذل؟ سوريا؟ نحن؟ وزارة الخارجية؟ الحكومة؟ الدولة بأمها وأبيها؟ الهموم أكبر من حدود هذا المجلس وهي -في جنباتٍ كثيرةٍ في المنطقة- بحجم المصير لكن، هذا ليس معناه أبدًا أن نردّد مع من يحلو لهم “اللعب في الوقت الضائع”: يؤجّل إلى موعد آخر. فلندخل في التفاصيل.

اسمَان حفظهما اللبنانيون غيبًا: نصري خوري (أمين عام المجلس الأعلى السوري – اللبناني) وعبد الكريم علي (سفير سوريا في لبنان). وإذا كان الحظ قد حالف الثاني وغادر بعد 13 عامًا من موقعه وقبل عامين من سقوط نظامه، فإنّ الأول ما زال يشغل نفس الموقع منذ وجد قبل العام 1993. يا الله كم مضى وقت. 32 عامًا بالتمام والكمال. ولو كان صنمًا لتغيّر. لكن سوريا الأسد اختارته “على الطبلية”: ماروني لبناني قومي سوري. فهل هناك أحسن منه ليتبوّأ موقعًا أرادت منه سوريا الأسد الإمساك بلبنان – كما سائر المواقع التي أحكمت سيطرتها عليها منذ تسعينيّات القرن الماضي. هادئ يبدو نصري خوري -مثل عبد الكريم علي- لكن وراء الهدوء الظاهر كانت حنكة كبيرة. يبتسمان وهما يضمران “الضروب” لنا. خوري هذا قليل الكلام. ويوم أنشئت السفارة السورية في لبنان سُئل: ما لزوم بعد لمجلسكم الأعلى؟ أجاب: “لا يتعارضان”. وأكمل مهمّته. اليوم، عادت السفارة تعمل أمّا المجلس فأشبه بهيئة معطّلة تنام على عشرات الاتفاقيات التي هي لمصلحة سوريا لا لبنان. وكم طرحنا في عشرة أعوام السؤال: ما لزوم بعد لهكذا مجلس؟ لكن، على من تقرأ مزاميرك يا يعقوب. مجلسه الأعلى يخالف وجوده -منذ الأساس- الدستور اللبناني. ألبير مخيبر، رحمه الله، قال هذا وكرّره. وها هو ابن أخيه غسان يكرّر ويكرّر وما يزال يكرّر نفس الكلام. ألم يحن “قبع” هذا المجلس من أساسه؟

هو مجلس أنشئ باسم “الأخوّة” اللبنانية – السورية. وكم هناك من أخٍ “عاق”. يكفي أن نراجع لائحة المعتقلين اللبنانيين في سوريا لنتأكد أنّ دور هذا المجلس الأعلى كان “سياسيًا” لا “تنسيقيًا”. فالمجلس “لم يقم بدوره أبدًا” بحسب إدمون رزق الذي كان شاهدًا على الحقبة التي صيغت فيها معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق. غسان مخيبر لطالما طالب بحلّ المجلس معتبرًا “أنّه مخالف للقانون… فليس هكذا تنظّم العلاقات بين الدول”. لكن، لم يُجبه أحد. لم يجرؤ أحد -أيام سوريا الأسد- على إلغاء الاتفاقية بين البلدين. ومعلوم أنّ إلغاءها -بحسب مخيبر- من صلاحية السلطة التنفيذية. في المقابل، يقول رزق: هناك إجراءات يُفترض أن تترافق مع نوايا الإلغاء بينها “أن تتقدّم الحكومة بذلك على أن يُقرّ هذا الإجراء المجلس النيابي الذي أقرّ وجود هذا المجلس”. فهل المجلس النيابي اليوم قادر على ذلك؟ سؤال يستمر مفتوحًا.

يُذكر أنّه حين سُئل نصري خوري عن طلب البعض إلغاء المجلس الأعلى اللبناني – السوري قال: “لا يمكن إلغاء المجلس أبدًا من جانب واحد، كونه غير مشكّل بقرار لبناني، إنّما بموجب معاهدة دولية مقرّة ومبرمة رسميًا ومسجّلة في الأمم المتحدة. الإلغاء يحتاج إلى رغبةٍ مزدوجةٍ في الإلغاء”. لم ترد سوريا الأسد إلغاء المجلس الذي تُمسك به رقابنا. انتهى زمن الأسد. واليوم، ننتظر خطوات ممَّن تلاه. سوريا اليوم مشغولة بأمور كثيرة. ونحن: ننتظر ذلك مع انتظاراتنا.

وزارة الخارجية اليوم سيادية. الوزير يوسف رجّي ذهب إلى سوريا الجديدة مع رئيس الحكومة نواف سلام وقال “اتخذ القرار بإعادة النظر بكل الاتفاقيات بين لبنان وسوريا سواء لجهة تعديلها أو إلغائها وخصوصًا وجود المجلس الأعلى اللبناني – السوري ومعاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق”. النية موجودة غير أنّ التنفيذ يبقى مؤجلًا. فماذا عن حال هذا المجلس اليوم؟ هناك معلومات عن أن نصري خوري طلب إعفائه من أمانة المجلس لأسباب صحيّة لكنه عاد وقال: “إنّه مستمرّ في ممارسة عمله في لبنان وتسيير أعمال الأمانة”. فعن أي أعمال يتحدّث؟ النظام الذي عمل من أجله انتهى فماذا يريد بعد من لبنان؟ وما لزوم بقائه وهو نسخة طبق الأصل عن نظام ساقط؟

فلنرفع الصوت عاليًا: حان وقت قبع المجلس الأعلى أقلّه بصورته القائمة. وجود هكذا مجلس نذير بقاء احتلال مستمرّ على لبنان من ذيول نظام “طار” في بلاده. فليُؤخذ القرار: لا لهذا المجلس المشترك بهذه الهيئة. فلتُستعرض كل المعاهدات التي أنشئت بين مَن كان قويًا وانتهى ومَن كان ضعيفًا وما زال.

فلنعد إلى غسان مخيبر، ما رأيه اليوم بعد كلّ ما حدث بقانونية الإبقاء على المجلس الأعلى اللبناني – السوري؟ يجيب: “هناك دراسة معلّلة أعددتها خلاصتها أنّ وجود المجلس مخالف للدستور ويجب إلغاؤه وإقامة علاقات ندّية في إطار جديد”. هل قابل أحد من لبنان الجديد وأطلعه على رأيه القانوني؟ “لا، هي موجودة ويمكنهم العودة إليها. وبقاء المجلس من عدمه في يد الحكومة الجديدة”.

رقاب اللبنانيين يُفترض أنها لم تعد تحت سكين الأسد الزائل. فليتمّ التأسيس لعلاقات ندّية. فلتُرسم الحدود. فليُقبع نصري خوري وليهتمّ بمنصبه في الحزب السوري القومي الاجتماعي. وليتمّ التأسيس للبنان جديد لا تُرْجَأ فيه أولويات كرمى أولويات. حان الوقت.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us