“أخطبوط المجتمع المنفتح”: كيف تُدار الأزمات وتُضرب سيادة لبنان باسم الإصلاح؟


خاص 20 كانون الأول, 2025

جورج سوروس لعب دورًا محوريًا في تمويل شبكات واسعة من المشاريع والمنظمات غير الحكومية التي تروّج لأجندات اجتماعية وثقافية مثيرة للجدل، وتسهم عمليًا في فرض نماذج اجتماعية غريبة عن بيئاتها، ما أدّى إلى تصدّع النسيج المجتمعي في أكثر من منطقة حول العالم. وهذه الشبكة أشبه بـ”أخطبوط نفوذ”، يعتمد على لوبيات فساد سياسية ومالية، ويتغذّى على الفوضى وضعف الدول.

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان“:

لم يكن اسم جورج سوروس يومًا بعيدًا عن ساحات الأزمات حول العالم. فمن أوروبا الشرقية إلى أميركا اللاتينية، ومن الثورات الملوّنة إلى الانهيارات الاقتصادية، يتكرّر النمط ذاته: شبكات من المنظمات غير الحكومية تتقدّم تحت عناوين “الإصلاح” و”الديمقراطية”، لتترك خلفها دولًا منهكةً واقتصاداتٍ مدمّرةً. وفي لبنان، لم يكن هذا المسار غائبًا عن المشهد، بل شكّل محور تحذير مبكر أطلقه ناشطون وخبراء، نبّهوا إلى مخاطر تغلغل هذه المنظومات في القرار الاقتصادي والسياسي، وما قد يترتّب عليه من مساس مباشر بالسيادة المالية للبلاد.

وفي أحد الفيديوهات المتداولة قبل أيام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يتمّ التطرّق بوضوح إلى الدور الذي لعبه سوروس وشبكة المنظمات غير الحكومية المرتبطة به (NGOs) والتي يموّلها من خلال مؤسّسته التي تحمل اسم “المجتمع المنفتح”، حيث يُقدَّم على أنه “أخطبوط مالي”، لم تدخل دولة عبر هذه المنظمات إلّا وتعرّضت لاضطرابات سياسية واقتصادية عميقة، وصولًا إلى تدمير بنيتها المالية والمؤسساتية.

من هنا، لا بد من التذكير بأنّ لبنان كان من أوائل الدول التي حذّرت من هذا المسار. وقد دقّق موقع “هنا لبنان” منذ سنوات في دور جورج سوروس والمنظمات غير الحكومية المتشابكة معه، مسلّطًا الضوء على آليات عملها، ومصادر تمويلها، وطبيعة الأهداف التي تتحرّك على أساسها. كما كشف الموقع طبيعة العلاقات المُتداخلة التي تربط هذه الجهات ببعضها البعض، سواء على المستوى المحلي أو عبر شبكات عابرة للحدود، مبيّنًا كيف تُستخدم بعض المنظمات كأدوات ضغط سياسي واقتصادي تحت عناوين إصلاحية وإنسانية.

وفي هذا الإطار، وثّق “هنا لبنان” بالأدلة والوقائع تقاطعات هذه المنظمات مع مشاريع وسياسات اقتصادية محدّدة، وتأثيرها المباشر في توجيه النقاش العام وصناعة القرار، ولا سيما في المراحل المفصلية التي مرّ بها لبنان. وقد شكّلت هذه المتابعة جزءًا من تحذير مبكّر من مخاطر تحويل العمل المدني إلى منصة نفوذ سياسي واقتصادي، بما يهدّد السيادة الوطنية ويضع القرار اللبناني في دائرة التأثير الخارجي.

كما حذّر “هنا لبنان” بشكلٍ متكرّرٍ من السياسات الاقتصادية التي روّجت لها مجموعة “كلنا إرادة”، معتبرًا أنّ جوهر هذه السياسات لا يهدف إلى إنقاذ الاقتصاد اللبناني، بل إلى ضرب القطاع المصرفي القائم، تمهيدًا لإدخال مصارف بديلة ضمن نموذج اقتصادي جديد يخدم أجندات خارجية. وقد رفع “هنا لبنان” الصوت عاليًا في وجه هذا التوجه، محذّرًا من تداعياته الكارثية على السيادة المالية والاقتصادية للبنان.

واليوم، تتقاطع كل هذه التحذيرات مع الوقائع السياسية المستجدة. فعلى الرغم من الشبهات الكثيرة التي أُثيرت حول “كلنا إرادة”، خرج من هذا المسار رئيس الحكومة نوّاف سلام، الذي سُمّي بدعم واضح من هذه المنظومة، إلى جانب وزراء يشكّلون امتدادًا مباشرًا لها داخل الحكومة.

وقد تُرجم هذا التوجه عمليًا من خلال طرح ما يُعرف بـ”قانون الفجوة المالية”، الذي يقوم في جوهره على إعادة هيكلة وتطوير القطاع المصرفي عبر ضرب المصارف الحالية، وفتح الباب أمام مصارف بديلة، في انسجام تام مع المخطط الذي سبق أن حذّرنا منه، واعتبرناه جزءًا من مشروع متكامل لإعادة تشكيل الاقتصاد اللبناني وفق نماذج مفروضة من الخارج.

من جهته، يعتبر المحلل السياسي طوني بولس أنّ جورج سوروس يشكّل أحد أخطر رموز اليسار العالمي المعاصر، ليس فقط على مستوى الاقتصاد، بل على مستوى البُنية القيمية والثقافية للمجتمعات. فبحسب بولس، فإنّ هذا اليسار، الذي تمدّد عبر العقود الماضية تحت شعارات الحرّيات والتقدم، كان في الواقع سببًا مباشرًا في تفكيك المجتمعات، وضرب منظومات القيم، وإغراق دول عديدة في أزمات أخلاقية واقتصادية عميقة.

ويرى بولس أن سوروس لعب دورًا محوريًا في تمويل شبكات واسعة من المشاريع والمنظمات غير الحكومية التي تروّج لأجندات اجتماعية وثقافية مثيرة للجدل، وتسهم عمليًا في فرض نماذج اجتماعية غريبة عن بيئاتها، ما أدّى إلى تصدّع النسيج المجتمعي في أكثر من منطقة حول العالم. ويصف هذه الشبكة بأنها أشبه بـ”أخطبوط نفوذ”، يعتمد على لوبيات فساد سياسية ومالية، ويتغذّى على الفوضى وضعف الدول.

ويؤكد بولس أنّ الخطر لا يقتصر على لبنان، بل يطال البشرية جمعاء، من أوروبا إلى الولايات المتحدة، حيث يحمّل اليسار العالمي، ولا سيما داخل الحزب الديمقراطي الأميركي، مسؤوليّة سياسات أدّت إلى المزيد من الانقسام والخراب الاقتصادي والاجتماعي. فكلّما تمدّد نفوذ هذا التيار، بحسب رأيه، تراجع استقرار المجتمعات، وازدادت معدّلات التفكك والفساد.

من هنا، يشدّد بولس على أنّ مسؤولية الأنظمة الديمقراطية اليوم هي الوقوف في وجه هذا المسار، ومكافحة المنظومات التي تعمل تحت غطاء المجتمع المدني، من دون وضوح في الأهداف أو في مصادر التمويل. ويعتبر أن صعود قوى يمينية في الولايات المتحدة وأوروبا يشكّل تحوّلًا مفصليًا في هذا السياق، لافتًا إلى أنّ وصول الجمهوريين إلى الحكم، وعودة دونالد ترامب تحديدًا، شكّلا ضربةً مباشرةً لهذا المشروع العابر للحدود.

كما يرى بولس أنّ فوز قوى يمينية في عدد من الدول الأوروبية يعكس وعيًا متناميًا بخطورة هذا التيار، داعيًا إلى تعميم هذا النهج في المنطقة العربية، من خلال مواجهة ما يصفه بـ”اليسار الغوغائي” الذي يستهدف الثقافة والهوية والقيم الإنسانية للمجتمعات.

ويختم بولس بالتأكيد على أنّ اليسار العالمي لم يقدّم، في أي تجربة تاريخية، حلولًا مستدامةً للأزمات، بل اعتمد سياسات الهروب إلى الأمام، وتأجيل الانفجارات الاقتصادية، وتمويل شبكات غير خاضعة للمُساءلة. وبحسب رأيه، فإنّ هذا التيار بات يشكّل تهديدًا حقيقيًّا لاستقرار النظام العالمي، ولا يمكن مواجهته إلّا عبر قوى سياسية واضحة المشروع، قادرة على إعادة الاعتبار للدولة، والسيادة، والقيم المجتمعية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us