المفاوضات الأميركية – الإيرانية: مراوحة بين التقدّم الحذر والخطوط الحمراء

عرب وعالم 31 أيار, 2025

تعود المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران إلى واجهة الأحداث، معيدةً إلى الأذهان تعقيدات الملف النووي الإيراني الذي لا يزال يشكّل أحد أعقد التحدّيات الدبلوماسية في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من الوساطات المتعددة، خصوصًا من سلطنة عُمان، والتصريحات المتناقضة من الطرفَيْن، يبدو أن المحادثات لم تُفضِ حتى الآن إلى اتفاقٍ ملموسٍ، بل إنّها تكشف عمق الهوّة بين واشنطن وطهران، لا سيما حول قضية تخصيب اليورانيوم والعقوبات الأميركية.

وفي هذا الإطار، أفادت وكالة “تسنيم” الإيرانية، أمس، بأنه “لا صحة لوجود اتفاق نووي موقت مع الولايات المتحدة”، مشدّدةً على أن “لا وجود لمقترح باتفاق موقت سواء من إيران أو أميركا”. ونقلت الوكالة عن مصادر مطّلعة قولها إنّه “لم يتمّ الاتفاق حتى الآن بشأن موعد ومكان جولة المفاوضات المقبلة”، وهو ما يعكس استمرار حالة المراوحة.

وعلى الرغم من التصريحات العلنية التي تنفي قرب التوصل إلى اتفاق، أكّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي جدّية بلاده في السعي إلى حل دبلوماسي يخدم “مصالح الجميع”، إلّا أنّه أشار في الوقت نفسِه إلى أنه “غير متأكد ممّا إذا كان هذا الهدف قد تحقق”. وشدّد عراقجي على ضرورة أن ينصّ أي اتفاق جديد على رفع جميع العقوبات الأميركية والسماح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم، وهو ما تعتبره واشنطن وإسرائيل “خطًا أحمر”.

الخطوط الحمراء للمؤسسة الدينية

وفي هذا السّياق، تكتسب مواقف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي أهميةً كبرى، نظرًا إلى تأثيره المباشر في قرارات الدولة، لا سيما المرتبطة بالملف النووي. وفي تقرير نشرته “الجزيرة.نت”، أوضحت الصحيفة أن خامنئي، على الرغم من تفضيله الابتعاد عن الخوض العلني في تفاصيل المفاوضات، حرص على رسم “خطوط حمراء” واضحة، أهمّها رفض التخلّي عن التخصيب أو القبول بأي اتفاق من دون ضمانات.

وقد وصف خامنئي المطالب الأميركية بوقف التخصيب بأنها “وقحة ومبالغ فيها”، مؤكدًا أنّ إيران لن تتنازل عن حقوقها الاستراتيجية، وأنّها لا تنتظر “إذنًا من أحد”، في إشارةٍ إلى الاستقلالية في اتخاذ القرارات السيادية. هذا الموقف يعكس مزيجًا من الحذر الاستراتيجي والإصرار على تثبيت المكاسب التقنية التي راكمتها إيران منذ انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018.

من جهته، كتب علي شمخاني، المستشار الأمني والعسكري للمرشد الأعلى، عبر منصة “إكس”، أنّ الرؤساء الأميركيين كانوا “يتخيّلون تدمير البنية التحتية النووية لإيران”، محذّرًا من أن بلاده تمتلك دفاعاتٍ قويةً وخطوطًا حمراء لا يمكن تجاوزها. وأضاف أنّ “المحادثات تعزّز التقدم، لكن المصالح والكرامة تأتي قبل الاستسلام”.

تصريحات شمخاني تعكس نبرةً تصعيديةً لكنها في الوقت نفسِه توحي باستعداد لمواصلة المحادثات شرط الاعتراف بحقّ إيران في مواصلة تخصيب اليورانيوم وهو جوهر الخلاف المستمر مع واشنطن.

الولايات المتحدة: تريّث وتحذير لإسرائيل

على الجانب الأميركي، جاء تصريح للرئيس الأميركي دونالد ترامب ليسلّط الضوء على محوريّة هذه المحادثات. ففي حديث مع الصحافيين نقلته صحيفة “الشرق الأوسط”، أكد ترامب أن “الولايات المتحدة تُجري محادثات جيدة جدًّا مع إيران”، مضيفًا أنّه حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من شنّ أي هجوم قد يُقوّض المحادثات.

وأوضح ترامب: “قلت له إنّ شنّ هجوم في الوقت الراهن لن يكون ملائمًا”، مشيرًا إلى أنّ التفاوض قد يؤدي إلى “تطور رائع”، وهو تصريح فُسّر على أنه محاولة لحماية التقدّم في المفاوضات من أي تصعيد إسرائيلي.

من جانبه، أشار المبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف إلى أن المباحثات “تسير بشكل جيد”، على الرغم من أنه لم يفصح عن مضمون ما يتم التفاوض عليه. وترافق هذا الانفتاح الأميركي مع جهود متزامنة لحل الأزمة في غزّة، وتقديم مساعدات إنسانية لسكان القطاع، في محاولةٍ لبناء مناخ إقليمي أكثر استقرارًا يساعد على تمرير اتفاق نووي جديد.

تبقى قضية تخصيب اليورانيوم هي “العقدة الأساسية” في المفاوضات. فبينما تصر طهران على أنّه حق سيادي، تصرّ واشنطن، مدفوعةً بالقلق الإسرائيلي، على تقليص أو إنهاء قدرة إيران على التخصيب. تقرير لـ”نيويورك تايمز” أشار إلى أن إسرائيل قلقة من أن يسمح أي اتفاق جديد لإيران بالإبقاء على بعض منشآت التخصيب، وهو ما تعتبره “خطًّا أحمر” استراتيجيًا.

وبحسب “الجزيرة”، يظهر أنّ الموقف الإيراني الرسمي بات أكثر ميلًا إلى تبنّي ما وصفته بـ”المرونة التكتيكية”، حيث تحاول طهران انتزاع تنازلاتٍ حقيقيةٍ من واشنطن عبر إبقاء التفاوض مفتوحًا، من دون أن تتنازل فعليًا عن مكاسبها في الملف النووي.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us