القلعة المنسية في البترون.. تعاقبت عليها الحضارات وعرفت بالـ “حارسة”


أخبار بارزة, خاص 6 شباط, 2022

كتبت فاتن الحاج حسن لـ “هنا لبنان”:

عند بوّابة الشمال الجنوبيّة وصعوداً من مفترق المدفون، تقع بلدة سمار جبيل على بعد أربعة كيلومتراتٍ من مدينة البترون، على تلٍّ استراتيجيٍّ يشرف على منطقتَي جبيل والبترون معاً، ويعلو بنحو خمسمئة مترٍ عن سطح البحر.

تشير الحفريّات والدراسات الأركيولوجيّة والتاريخيّة إلى تعاقب حضاراتٍ مختلفةٍ وحقباتٍ عديدةٍ كالفينيقيّة والأشوريّة واليونانيّة والرومانيّة والصليبيّة والعربيّة على هذه البلدة، ما خلّف فيها غنىً أثريّاً لافتاً.

كما تذهب بعض الاكتشافات الحديثة إلى أنّ سمار جبيل عايشت العصر البرونزي.

وتتبيّن هذه الأهميّة أيضاً من اسم البلدة نفسه، فسمار جبيل في الأصل لفظة آراميّة وهي “شيمر” ومعناها الحامي والحارس، أي أنّها كانت “حارسة جبيل”. فقد اختارها الفينيقيّون مصيفاً لملوك جبيل، نظراً لموقعها الاستراتيجي المشرف على الساحل.

كلّ هذا الغنى التاريخي والألق الحضاري المتراكم يتجسّد في قلعتها الشامخة، التي تحيط بها معالم أثريّة متنوّعة.

يعود بناء قلعة سمار جبيل – في شكلها الحاضر – إلى الفترة الصليبيّة، حين بُنيت على أنقاض بناءٍ قديمٍ يعود إلى الفترة الفينيقيّة، دمّره الصليبيّون لإعادة بناء حصنٍ يناسب حاجاتهم الحربيّة. وظلّ هذا البناء حصناً يستُخدم في فتراتٍ متلاحقة.

وتبعاً لذلك، تتميّز القلعة بتصميمها العسكريّ الدفاعي، فهي تحتوي على عناصر قتاليّةٍ ودفاعيّة، وقاعاتٍ شاسعةٍ كانت لها استخدامات مختلفة.

في العصر العثماني، سيطر بنو عسّاف وحلفاؤهم من آل حمادة على الحصن، ولكنّ الأمير فخر الدين الثاني تمكّن من انتزاعه منهم عام 1618، وذلك بعد أن سيطر على كامل المنطقة. ولكنّ القلعة سرعان ما تعرّضت للخراب، ودُمّر برج الحصن بسبب هزّةٍ أرضيّة.

وفي القرن السابع، لجأ بطريرك الموارنة يوحنّا مارون إلى سمار جبيل يوم انتُخب أسقفاً على أبرشيّة البترون وجبل لبنان، بعد أن استقرّ سابقاً في دير القدّيس مارون على نهر العاصي، واتّخذ من قلعة سمار جبيل مركزاً له. ثمّ غادرها حين أصبح بطريركاً عام 685 إلى قرية كفرحي. وداخل القلعة قاعة كبيرة تحمل اسمه.

ومن الناحية المعماريّة، تضمّ القلعة آباراً محفورةً في الصخر، ودهاليز عميقةً تربطها بالساحل، ومعاصر ونواويس وغرفاً جنائزيّةً ومسرحاً رومانيّاً، بالإضافة إلى منحوتاتٍ وتماثيل وخنادق وجسورٍ وإصطبلات، ومخازن رومانيّةٍ وأحواضاً وأجراناً منقوشةً في الصخر.

وعند المنحدر الشمالي من القلعة نقوش بيضاويّة تعود إلى الحقبة الهيلّينيّة، وهي مشاهد تمثّل على الأرجح طقوساً دينيّةً على صلةٍ بعبادة الإله الشابّ أدونيس، التي كانت معتمدةً بكثرةٍ في منطقة جبيل.

وعُثر في الموقع أيضاً على نقشٍ إغريقيٍّ محفورٍ في الصخر يزيّنه إطار، ويشير النقش إلى وفاة أوريليا زوجة أيراكليون عام 241، وإلى إشغال القلعة في الفترة الرومانيّة.

أكثر ما يميّز الموقع وجود مجموعةٍ متنوّعةٍ من المعاصر والبراميل والصهاريج الصخريّة، التي تعود إلى حقباتٍ مختلفةٍ كالفينيقيّة والرومانيّة والبيزنطيّة؛ وهي عبارة عن معاصر مخصّصةٍ لعصر الزيتون. ويوجد أيضاً بنيتان كبيرتان مربّعتان محفورتان في الصخر شرق الحصن، كانت مخصّصةً لعصر العنب.

داخلَ القلعة بئر ماءٍ قديمة تُعرف ببئر القدّيس نهرا. وبحسب التقاليد المحلّيّة، فقد أتى المبشّر القدّيس نهرا في نهاية القرن الثاني إلى سمار جبيل مبشّراً بالمسيحيّة، فاستُشهدَ في البترون، حيث انتُزعت عيناه بأمرٍ من الإمبراطور ديكوليتيان، ولكنّه لم يفقد بصره على الرغم من ذلك. ولذلك فقد بُنيت في البلدة كنيسة على اسم القدّيس نهرا.

بالرغم من مساحتها الشاسعة وسهولة الوصول إليها وجمالها الخلّاب وتنوّع محتوياتها، تبقى قلعة سمار جبيل محدودة الشهرة وغير مقصودةٍ قياساً إلى غيرها من القلاع الشبيهة كقلعة جبيل مثلاً.

وعدا عن الجهود التي بذلتها جهات محليّة لتسليط الضوء على القلعة بهدف اجتذاب السيّاح إليها، إلّا أنّ دوراً مطلوباً من الجهات الرسميّة وبخاصّةٍ من وزارة السياحة لوضع قلعة سمار جبيل على الخارطة السياحيّة اللبنانيّة، وهي الجديرة بالزيارة والتنزّه والاستكشاف.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us