رغم قرار ديوان المحاسبة شركات الطيران تتمنّع عن دفع أموال الـ “PCR” لمستحقّيها


كتبت ريما داغر لـ “هنا لبنان”:

منذ ظهور جائحة كورونا في لبنان، بدأت وزارة الصحة اللبنانيّة بإجراء فحوص الـ PCR في مطار بيروت الدولي والحدود البريّة عن طريق المختبرات المتعاقدة معها.
وبدءاً من منتصف شهر آب من العام 2020، وحين بدأ الفيروس بالانتشار بشكلٍ واسع، لم يعد بمقدور هذه المختبرات القيام بما يلزم من مهامٍ، فأبرمت وزارة الصحة اللبنانية أربع مذكّرات تفاهم مع أطرافٍ أخرى من أجل إجراء فحوص الـPCR للوافدين إلى لبنان.
وقد أُبرمت هذه المذكرات بين كلّ من وزارة الصحة، الجامعة اللبنانيّة، جمعيّة عمّال (جمعية لا تتوخى الربح وتعمل بصورة أساسية على تأمين حقوق المواطن المريض)، والمديرية العامة للطيران المدني. وكانت على الشكل الآتي:
مذكّرة تفاهم أولى بين وزارة الصحة العامة والجامعة اللبنانية: بتاريخ 11 آب من العام 2020. تولّت الجامعة اللبنانيّة من خلال هذه المذكّرة إجراء فحوص الـPCR للكشف عن المصابين بوباء كورونا للقادمين إلى لبنان من معبرَي المصنع وجديدة يابوس وبقية المعابر البرية. وقد حدّدت بموجبها التسعيرة بـ 50 دولاراً للأجانب و100 ألف ليرة لبنانية للبنانيين و150 ألفاً للقادمين العرب.
ـ مذكّرة تفاهم ثانية بين وزارة الصحة العامة والجامعة اللبنانية والمديرية العامة للطيران المدني: بتاريخ 20 تشرين الأول من العام 2020. كلّف حينها مختبر علم الأحياء في كليّة العلوم في الجامعة اللبنانية إجراء فحوص الـPCR للقادمين عبر مطار رفيق الحريري الدولي. كما قامت المديريّة بإلزام شركات الخدمات الأرضية بتحويل مبلغ 50 دولاراً أو ما يعادلها بالليرة بحسب سعر المنصة عن كلّ قادم. ويكون التحويل بنسبة 90% لحساب الجامعة اللبنانية و10% من كلفة الفحوصات لتغطية المصاريف اللوجستية لإدارة العملية على المطار.
ـ مذكّرة تفاهم ثالثة بين وزارة الصحة العامة وجمعية “عمّال”: بتاريخ 18 كانون الثاني 2022، وقد كلّفت وزارة الصحة العامة الجمعيّة المذكورة قراءة وتأكيد البيانات التي ملأها الوافدون عبر المنصة الإلكترونية التابعة للوزارة، وإصدار ورقة لاصقة على أنبوب زجاجيّ تتضمن المعلومات الخاصة بالوافد الرقم التسلسلي الخاص به.
ـ مذكّرة تفاهم رابعة بين وزارة الصحة العامة والجامعة اللبنانية والمديرية العامة للطيران المدني وجمعية “عمّال”: بتاريخ في 3 شباط 2022. حدّدت هذه المذكرة المهمّات المتعلّقة بالأطراف الأربعة، لقاء بدلات خفّضتها الوزارة ووزّعتها بينها وبين الأطراف الأخرى. كما تولّت شركة أخرى تدعى “أريبا” تحصيل الرسوم المقدرة بـ 30 دولاراً، والتي كان يدفعها المسافر عبر المنصة الإلكترونية التي استحدثتها وزارة الصحة بواسطة البطاقة المصرفية. وتقوم هذه الشركة بتحويل الأموال التي تجمعها إلى حساب جمعية “عمّال”.
وبعد مرور ما يقارب السنة ونصف السنة على إبرام هذه المذكّرات، بدأت التساؤلات حول الجدوى منها، وبشأن عمل أطرافها التي استوفت الأموال من القادمين إلى لبنان من دون دفعها إلى الجهات الواردة في نصوص المذكّرات، حتى تمّ الطلب من وزارة الصحة بوقف العمل بآخر مذكّرة أبرمت في شباط 2022.
وفي الإطار عينه، كان ديوان المحاسبة برئاسة القاضي فوزي خميس يقوم بالتحقيق بشأن أموال فحوصات الـ PCR وتنفيذ مضمون المذكرات، فأصدر بعدها قرارين أوصى فيهما بوقف العمل بآلية إجراء فحوصات PCR للوافدين، لما تضمّنه التحقيق من مخالفاتٍ وشوائب.
كما طلب القاضي خميس من المدير العام للطيران المدني وجوب التعميم على جميع شركات الطيران بتحويل المبالغ المقبوضة بالدولار الفريش لحساب وزارة الصحة والجامعة اللبنانية، كما أصدر في إطار الرقابة المؤخرة، تقريراً خاصاً ضمّ، الشوائب التي تضمّنها التحقيق، وهي كثيرة تتعلّق بعدم موافقتها للمواد القانونية، وفرض بدلات ماديّة من دون إسنادها بقانون يصدر عن السلطة التشريعية، وأموالًا عامة في حسابات خاصة، ووزير يتجاوز حدّ سلطته، ودفع المتوجبات بالشيك بدل من الدولار الفريش… وغيرها الكثير.
إذاً، وبسبب كل تلك المخالفات التي مسّت نصوصاً قانونية، دعا ديوان المحاسبة إلى وقف العمل بجميع مذكّرات التفاهم التي وقعت من الأطراف المعنية، نظراً للشوائب العديدة التي تخللتها. كما دعا إلى العمل على استحداث آلية قابلة للتطبيق في حال بقيت هناك حاجة للاستمرار في إجراء فحوص الـPCR . إضافة إلى إحاطة مجلس النواب علماً بالمخالفات المرتكبة في حال ثبوتها من قبل وزير الصحة ووزير الأشغال العامة والنقل وإصدار القرارات القضائية المؤقتة بحق رئيسي الجامعة السابق والحالي ومدير عام الطيران المدني بالتكليف.
ويبقى هناك عمل آخر يقوم به القاضي خميس، ألا وهو استعادة الأموال التي استوفتها شركات الطيران والعمل على تحويل الأموال الموجودة لدى شركتي “عمّال” و”أريبا” إلى الخزينة اللبنانية في مصرف لبنان وحساب الجامعة اللبنانية لدى المصرف.
وبعد العمل الدؤوب الذي قام به ديوان المحاسبة عبر اتّهام المسؤولين مباشرة، والحثّ على مراعاة القواعد القانونيّة، وإصدار القرار المناسب لاسترجاع أموالٍ عامّةٍ، قرّرت شركات الطيران وبعد ثلاثة أسابيع من صدور القرار، رفض ما أصدره المدعي العام لديوان المحاسبة القاضي فوزي خميس من تعميم، والامتناع عن ردّ الأمانات ودفع ما في ذمّتها من مبلغ يصل إلى 50 مليون دولاراً أميركياً للجامعة اللبنانية ووزارة الصحة بدل إجراء فحوص الـ PCR بالدولار الفريش.
وكانت شركة “الميدل إيست” قد شرحت أسبابها الموجبة التي دعتها إلى رفض مسألة دفع المبلغ المتوجب بحجّة أن مذكّرة التفاهم “لم تفرض دفع المبلغ بالدولار الفريش”، كما أنّها تحجّجت بأن سعر الصرف الرسمي لا يزال 1507 ل.ل، إلّا أنها تتقاضى ثمن تذاكرها بالدولار الفريش. وأضافت الشركة أنّه وبما أنها حوّلت المبالغ في وقتها، فإنها في حلّ من أمر دفعها. واستطردت “الميدل إيست” أن أموال الـ PCR ليست حقاً للجامعة والوزارة، بل إنها ضريبة غير مباشرة فرضتها اتفاقية موقّعة من فرقاء تنعدم لديهم كل صلاحية لفرض هذه الضريبة حيث إن إقرار مثل هذه الضريبة وتخصيصها محصور بالمجلس النيابي ويخرج كلياً عن اختصاص الإدارة، وبناءً عليه، تعدّ هذه المذكّرة باطلة وكذلك التعميم، بحيث لا يجوز إصدار تعميم أو قرار إداري بمفعول رجعي.
في نهاية المطاف وكما في كلّ ملفّ، تمنّعت الجهة التي بذمّتها أموال عامّة عن الدفع لأصحاب الحقوق رغم القرارات القضائيّة، مطالبة بالرجوع عن التعميم ووقف تنفيذه.
فهل سيبقى هذا القرار من دون تنفيذ حاله كحال الملفات الأخرى التي اختفت في غياهب الفساد والصفقات والسرقات للأموال العامة، وبقيت من دون حساب؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us