التّرسيم: عَوْدٌ على بَدْء


أخبار بارزة, خاص 23 آذار, 2022

كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:

من غير المؤكّد بعد إذا ما كان آموس هوكشتين سيزور بيروت قريباً، لكن المؤكّد أنّ الردّ اللبناني على العرض الرسمي الخطّي الأميركي كان الرفض، وتبعاً للرفض المهذب القاضي بالدعوة التي صدرت عن اجتماع رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة، إلى العودة إلى مفاوضات الناقورة، فإنّ المفاوضات عادت تقريباً إلى نقطة الصفر، أي إلى مفاوضاتٍ لا يُعرف متى تبدأ ولا يُعرف متى تنتهي.

في المحصلة الأولى لمبادرة هوكشتين أنّ طبيعة التفاوض ستتغيّر إذا ما جلس لبنان وإسرائيل على طاولة الناقورة. فالكلام عن الخط 29 كأساسٍ تفاوضيٍّ أصبح من الماضي، بعد قيام الرئيس عون بالإعلان عن تخلّي لبنان المبدئي عن المطالبة به. عملياً كانت خطوة عون في الاتجاه الصحيح، لكن العرض الخطي الأميركي، لم يأخذ المبادرة بعين الاعتبار بل عاد إلى التفاوض حول الخط 23 وهو بات مطلباً لبنانياً، لكن ليس على طريقة التسليم والاستسلام.

تبعاً للمعطيات التي رشحت عن الرسالة الخطية وتفاصيلها، فإنّ العرض الرسمي الذي سلّم حصراً لعون وبري وميقاتي، وسرّب فوراً لحزب الله الذي سرّبه لوسائل إعلامية صديقة، وكتب عنه محمد عبيد أمس الأول في صحيفة نداء الوطن، ورفع النائب محمد رعد بوجهه الصوت متجاوزاً موقف الرئيس عون، يتضمّن ثغرتين كبيرتين بالنسبة للبنان. الأولى تعرّجه في حوض قانا، والثانية تعرّجه شمال الخط 23 بحيث تأكل إسرائيل جزءاً ولو ليس كبيراً من البلوك الرقم 8.

الرفض اللبناني للترسيم المتعرج في حوض قانا، يعود لعاملين، أولهما أنّ التقاسم يعني خسارة لبنان لحصريّة امتلاك الحوض ولحصرية استثمار ثروته، والثاني مرتبط بالأوّل، وهو أنّه في حال قبل لبنان، فإن الاستخراج سيتمّ بالتنسيق وتالياً بالتطبيع مع إسرائيل، وهو ما لقي رفضاً من حزب الله، الذي لجم اندفاعة عون وحتى بري للتفكير بهذا الاتجاه.

الثغرة الثانية في رسالة هوكشتين، تمثلت في انحراف الترسيم شمال الخط 23 إلى أبعد نقطة من الشاطئ بحيث أكل مساحة 300 كلم من البلوك 8، وهي مساحة كبيرة، ولم يكن هناك أي مبرر لدى الأميركيين لترجمة هذا الافتئات على شكل اقتطاعٍ من حصّة لبنان، بعدما بادر عون إلى تجاوز الخط 29 .

في موضوع الثغرة الثانية تقول المعطيات أن إسرائيل تصر على هذا الاقتطاع لسببٍ معلنٍ وهو أنّ المساحة المقتطعة تجنبها انحراف خط أنابيب الغاز التي تزمع إيصاله إلى قبرص، أي تجنبها انحرافه جنوباً بتكلفة أكبر، فيما الحقيقة تذهب باتجاه التأكيد أن إسرائيل لديها دراسات منجزة تؤكد وجود الغاز في البلوك الرقم 8 وهي بالتالي تريد أن تتقاسم هذا البلوك مع لبنان أسوة بخزان قانا.

المفاوضات إذًا تعود من حيث انطلقت، وإذا ما زار هوكشتين لبنان ووافقت إسرائيل على العودة إلى الطاولة، فإن البحث بتشكيل الوفد اللبناني سيبدأ من جديد، ولا يعرف منذ الآن إذا ما كان وفد لبنان سيتم تشكيله بنفس الطريقة التي شكل فيها الوفد السابق، التي قضت بأن يتسلم الجيش مسؤولية المفاوضات.

تقاعد العميد بسام ياسين الذي أدار المفاوضات السابقة، ويمكن اليوم إعادة تكليفه بالمهمة ولو من خارج الخدمة العسكرية، لكن ذلك يعارضه الرئيس عون نظراً للمواقف الواضحة والقاسية التي أطلقها رفضاً للتنازل عن الخط 29 .

بانتظار معرفة الرد الأميركي والإسرائيلي على دعوة لبنان للعودة إلى طاولة الناقورة، ينتقل التفاوض من الخط 29 الذي انتهى بتصريح رئيس الجمهورية، إلى الخط 23، وحول هذا الخط لغمان كبيران، لم تقم الولايات المتحدة الأميركية بتفكيكهما، فأدّيا عمليًّا إلى العودة إلى نقطة الصفر، وباتت المعادلة حالياً متوقفة على الآتي: لبنان خسر مبدئية المطالبة بالخط 29 لكنه لم يفقد كل أوراقه التفاوضية، وإسرائيل ثبّتت أوراق قوة، لكنّها غير قادرة على الاستثمار في الخزانات المتنازع عليها، وحزب الله وصولًا إلى طهران يقول بأنه لا يأبه لو بقي الغاز مدفوناً لمئة عام في جوف البحر.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us