حلو الوفاء


كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:

أليست طرفةً تاريخيّةً أن يحار العرب كيف يساعدون لبنان، فيما رئيسه مشغولٌ في كيف يعمّق أزماته ويكرّس تفتيت الدولة فيه، ببَركةٍ بابويّةٍ يطلبها لتشريع سلاح الحزب الذي لا مهمّة له سوى إيصال الهيمنة الإيرانية إلى منتهى سطوتها على لبنان؟
تلقّفت دول مجلس التعاون الخليجي، بإيجابيّة، إبداء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رغبة لبنان في إعادة العلاقات معها إلى طبيعتها، الأمر الذي لاقى صدًى فورياً لافتاً من الرياض، تمثّل بترحيب وزارة الخارجية السعودية عبر حسابها على “تويتر”، بما “تضمنّه بيان رئيس الوزراء اللبناني من نقاط ايجابية”، ولم تتأخّر وزارة الخارجية الكويتية في إصدار بيان ترحيبٍ مماثل.
قبل يومين من التغريدة السعودية، جرى اتّصالٌ هاتفيٌّ طويل بين ميقاتي ووزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، أعقبه بيان لميقاتي تضمن مجموعة التزاماتٍ بخطواتٍ اتُّخِذت وأخرى ينوي اتّخاذها وتؤدّي إلى ترميم العلاقات وتعزيزها بين لبنان ودول الخليج العربي عمومًا والمملكة السعودية تحديدًا، مؤكّدًا “التزام الحكومة اللبنانية باتّخاذ الإجراءات اللازمة والمطلوبة لتعزيز التعاون بين لبنان والمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي”.
بين بيانٍ مهمٍّ عن الخارجية السعودية، وآخر على المستوى نفسه من نظيرتها الكويتية، ظهرت ملامح إعلان نيّات لدى الخليج بقيادة المملكة، لإعادة سياسة الانفتاح تجاه لبنان والمحافظة على استقرار الحياة السياسية فيه وتسهيل إجراء الانتخابات النيابية اللبنانية.
في صلب ما عبّر عنه ميقاتي “التزام لبنان بكلّ قرارات جامعة الدول العربية والشرعية الدولية، و”ضرورة وقف كل الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية التي تمسّ سيادة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي وأمنها واستقرارها والتي تنطلق من لبنان”. والفقرة الأخيرة لا تعني، بالطبع، جمعية “الحبل بلا دنس”، ولا “جمعية العمر المديد”، بل تحديدًا، وبلا مواربةٍ “حزب الله” الذي تخطّى ضرره، بل عدوانه، الداخل اللبناني (7 أيار 2008، و”القمصان السود” في 2010)، لإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري ومرّات في بيروت وفي زحلة، لأسباب مختلفة، وغير مرة وفي غير مكان، قبل أن يتوسّع في “مهامه” إلى اليمن وسوريا والعراق، وكانت “أفضاله” شملت الكويت ومصر وبولونيا وبلغاريا وفنزويلا، أواخر تسعينات القرن الفائت.
برغم ذلك أصرّ رئيس الجمهورية على الإيفاء بدينه للحزب الذي حمله على رؤوس صواريخه وأجنحة مسيّراته إلى كرسي رئاسة الجمهورية بعدما حجزها له لسنتين ونصف، في مشهدٍ نحر للديموقراطية اعتادت عليه جمهوريات الموز في أميركا اللاتينية، ويكاد يندثر. ما فعله الرئيس الوفيّ لقسمه بحماية الدولة والدستور، أنه أراد أن يحذو حذو موقفٍ سابقٍ لبعض الدول الأوروبية التي ميزت بين جناحين، في تقييمها السياسي لـ “حزب الله”: جناحٌ سياسيٌّ يمكن التعامل معه، وجناحٌ عسكريٌّ متّهمٌ بالإرهاب، على نسق ما فعلت في القرن الماضي في تعاملها مع “الجيش الجمهوري الإيرلندي”.
لكن فخامته تفرّد بالتمييز بين الحزب في الداخل اللبناني، وفق رؤيته، كمواطنٍ دائمٍ، وقائدٍ سابقٍ للجيش، ورئيسٍ حاليٍّ للجمهورية، وبين الحزب في الخارج، وكاد يقول كـ “قوّةٍ إقليميّةٍ”، فبرّأه من الآثام الوطنية، ومنها انقضاضه على المؤسّسات، وسلب الدولة سلطاتها، أنّى تسنّى له، وتبرّأ منه على ما يفعله خارج الحدود، كأنّه يسلّم بأنّ بابا الفاتيكان لا يعرف شيئًا ممّا يعيشه لبنان، ولا الأيادي البيضاء للحزب في ما يعيشه اللبنانيون من نتائج تفكّك الدولة وسقوطها بفضل الثلاثية الخشبيّة، كما سمّاها رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان.
برغم كلّ ذلك، لا يرى فخامته أيّ تأثيرٍ للحزب على الوضع الأمني في لبنان، ولا يجد ضرراً في أن يتساكن الجيش قسراً مع ميليشيا الحزب المؤتمرة بتوجيهات طهران، ولا يتذكّر أنّ هذا الجيش مُنِعَ عن الاحتفال بتحرير جرود عرسال من الإرهاب، وأنّ الضابط الطيار سامر حنا استشهد برصاص الميليشيا نفسها باستهداف طوّافته فوق معقل “حزب الله” في إقليم التفاح.
يُحسَد فخامة الرئيس على غلوّه في الوفاء لمن له عليه فضل أو جميل، فهو، على ما يبدو، ولآخر لحظةٍ من رئاسته لن يتخلى أو ينسى ما ذكّره به يومًا النائب عن “حزب الله” المعاقب تنظيميًّا نوّاف الموسوي حين أكّد المعروف من العامّة والخاصّة وهو أنّ ميشال عون وصل إلى قصر بعبدا بفضل سلاح الحزب.
في حديثه إلى جريدة “ريبوبليكا” الإيطالية أصرّ فخامته على أنّ الحزب مكوّنٌ من جنوبيين قاوموا الاحتلال الإسرائيلي، وأن المقاومة ليست إرهاباً. ليت فخامته يضمن للبنانيين أن يقنع الحزب أنّ اعتراضهم السّلميّ على الاحتلال الإيراني ليس إرهاباً، كي لا يُقتل لقمان سليم مرتين.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us