انخراط المرأة اللبنانية في عمل “الرجال” مؤشّرٌ على التوازن الجندري إلّا في حال العمل القسريّ


أخبار بارزة, خاص 25 آذار, 2022

كتبت ريما داغر لـ “هنا لبنان”:

شهد التاريخ في مجتمعاتٍ متنوّعةٍ على عمل المرأة بمهنٍ لا تتناسب وقوّتها البدنية وأدوارها النمطيّة التي حدّدها لها المجتمع، وكان ذلك خلال الأزمات الاقتصادية والتغيّرات التي رافقتها وشكّلت تحوّلاً جذرياً في سوق العمل. وكان أكبر دليل على هذا الأمر، الثورة الصناعية في أوروبا، حيث عملت المرأة كالرجل، في المصانع في بريطانيا لساعات عملٍ طويلة، وفي المناجم في دول أوروبيّة عديدة.

في المجتمعات المتقدّمة والحديثة، تعمل المرأة بالمهن عينها التي يعمل بها الرجل، بشرط أن تتناسب وقوّتها البدنية، كما تتمتّع بالحرية كاملةً بما أن الخيار عائد لها بكل تجرّد ومن دون أي ضغوطات أسريّة أو اجتماعيّة أو اقتصاديّة.

في لبنان، عرفت السنوات الأخيرة انخراط المرأة بشكل لافت بمهنٍ كانت حكراً على الرجل. فقد رأيناها في مجال الطيران، والميكانيك، وشرطة السير على الطرقات وقيادة سيارات التاكسي وغيرها. وإن لدى هؤلاء النساء قناعة تامّة بأن أعمالهن تحقق طموحاتهن، ولا يكترثن لنظرة المجتمع اللبناني الذي يربّي المرأة على الالتزام بالإطار الأنثوي، والمظهر الجميل الذي لا يجب أن تتخطّاه، والثقافة السائدة بأن عليها الاهتمام بشكلها الخارجي على الدوام، في المنزل وخارجه.

إضافة إلى تلك المهن، عرف المجتمع حركة هجرة للبنانيات للعمل في الخارج، لإعالة أنفسهنّ وأسرهن.

وبسبب الأزمة الاقتصادية التي تلمّ بالبلاد حالياً، اضطرت بعض النساء إلى خوض غمار الأعمال التي كانت حكراً على الرجل أكثر فأكثر. فقد انتشرت البطالة، ما أدّى إلى زيادة في أعداد هجرة أرباب الأسر لإعالة عائلاتهم، كذلك ازدادت الحاجة للحصول على المال من أجل محاربة حالة العوز، فلم يعد هناك أمام المرأة إلا خيار العمل، مهما كان نوعه.

إن عمل المرأة في المجتمع هو مؤشّر على التوازن الجندري، وهو ضروري من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية. إلا في حال عدم تناسب العمل ورغبة المرأة وتنافياً لمشروعها الحياتي وطموحاتها. فكيف يؤثر الأمر على المرأة وعلى الأسرة معاً؟

للإجابة عن هذا السؤال، كان لـ “هنا لبنان” حديث مع الباحثة الاجتماعية “فيرا شاهين”، حيث قالت:

“تتأثر المرأة نفسياً حين تعمل بمهن لا تتناسب وتطلّعاتها وشخصيّتها. فالمرأة اللبنانية قد ترعرعت على أن تحلم بوظيفة راقية تحافظ فيها على مظهرها الأنثوي. إضافة إلى انتظارها الرجل الذي ستشاركه حياتها، ويشعرها بالأمان. فتصطدم بعدها بواقعٍ قاسٍ، خلال الأزمة الاقتصاديّة، جعل أحلامها تذهب هباء، ووضعها تحت رحمة القلق والعمل الاضطراري غير المرغوب به من قبلها.

تضطر النساء في هذه الحالة إلى قبول أعمالٍ غريبة عنها، ذات دخل منخفض، بعيدٍ عن مكان سكن العائلة أحياناً تجنّباً لإحراج أفراد أسرتها.

وفي هذه الحالات، من الممكن أن تتعرّض النساء للتنمر والانتقادات، والتدخل بحياتهن يذهب إلى حدّ تعرّضهن للتحرش أو استغلالهن، كأن تعرض عليهن أعمال غير أخلاقيّة مقابل بدل ماليّ يتخطّى البدل الذي يتقاضينه.

ينجم عن هذا الأمر، الكثير من الاضطراب النفسي والأخلاقي لدى المرأة. كما ويشعرها الأمر المستجدّ عليها، بعدم التكيّف مع نفسها والمحيط الذي تعمل فيه، فيستتبع ذلك التأثير السلبي على زوجها وأولادها في حال كانت متزوجة، أو على والديها وإخوتها في حال كانت عزباء”.

إن تخطّي حاجز التمييز الجندري الذي قامت به المرأة اللبنانية عبر اختيارها لمهنٍ مارستها بإرادتها، قد حقّق نجاحات باهرة. وأكّدت المرأة من خلال تقدّمها هذا، أن لا شيء مستحيل أمام عزيمتها، فاستطاعت بذلك أن تكسر نظرة المجتمع النمطية للأنثى، والسائدة في الذاكرة الثقافية العامة التي وضعت شروطاً خاصّة بالمرأة ومساراً يجب أن تتبعه.

ولكن، تبقى الأعمال غير المرغوب بها والتي تقوم بها النساء رغماً عنها لظروف استثنائية مجحفة، أداة ضغط وتعبٍ نفسي على المرأة وعلى أسرتها.

فالمرأة هي نواة الأسرة السليمة، ومتى اهتزّت سلامتها انعكست على أفراد الأسرة كافة.

فمتى ستنتهي معاناة المرأة في لبنان فيتعافى مجتمعنا؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us