بين السياسة والقضاء.. “رياض سلامة” كبش محرقة


أخبار بارزة, خاص, مباشر 1 نيسان, 2022

كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:

مبدأ الفصل بين السلطات، مبدأ مكرّس في الدستور اللبنانيّ. غير أن التدخل السياسي في لبنان لم يُترجم بتعزيز الفساد الإداري فقط، بل ظهر أيضاً من خلال تدخل السياسة بالقضاء. فلم نشهد عبر التاريخ كباشًا بين القضاة والسياسيين كما نشهد اليوم في هذا العهد القوي الّذي لم نعد نتحمّل قوّة قراراته ومواقفه. فانعكاس القوّة تجسّد بانهيار باطنيّ لمقوّمات الدولة التي تضمحلّ بين سراب المحاصصة والمطامع.
الرقابة السياسيّة تحصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذيّة، بين إعطاء الثقة للحكومة وطرح الثقة منها وما يترافق معها من نتائج؛ والتي تُظهر مدى التواصل والتداخل بين هاتين السلطتين. غير أنّ هيبة القضاء المستقلّ من المفترض أن تكون بعيدة عن التبعيّة، لكننا للأسف أصبحنا في لبنان نستعين بالوجوه القضائية لتصفية الحسابات السياسيّة. فكيف تنعكس التدخلات القضائية على الانهيار الاقتصادي والمالي؟
ما لا يغفله الجميع الشرخ الحاصل بين القوى السياسيّة، وهجوم فئة من تلك القوى على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. هم نفسهم الّذين مدّدوا له فترة حاكميته، ها همّ يستغلّون الورقة والشعارات الانتخابيّة للتصويب عليه وتحميله مسؤولية الهندسات المالية الفاشلة التي كانت جرّاء فشل الحكومات المُتعاقبة منذ تسعينيات القرن الماضي.
الخلاف لم يعد اليوم بين السياسيين والحاكم أو بين حزب معيّن وحاكم مصرف لبنان، بل أصبح بين إيديولوجيا تحوّر الرأي العام وتصوّب على جهة معيّنة لتجميل صورتها. تلك الإيديولوجيا التي لم يتوانَ حاكموها لحظة عن إعلامنا أننّا كشعب تحوّلنا من شعبٍ عظيم الى شعبٍ يعيش في “جهنّم”.
تطوّران شهدهما الرأي العام اللّبناني والعالمي خلال الأيام الأخيرة، الأول على صعيد لبنانيّ والثاني على الصعيد العالميّ؛ لكنّ المفارقة أن آل “سلامة” أبطالها، وقضاة لبنان كاتبو السيناريو.
فعلى الصعيد اللّبنانيّ استدعاءات النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون لسلامة ولأخيه رجا للتحقيقات بتهم تبييض أموال وإثراء غير مشروع، تجلّت بتوقيف الأخير رهن التحقيق. لكنّ المفاجأة لم تكن باستماع محامي عام التمييز بالتكليف القاضي جان طنوس لإفادة رجا سلامة قبل توقيفه من قبل قاضي التحقيق نقولا منصور، بل عندما باشر طنوس باستجوابه بملف تبييض أموال شركة FORRY وهو تحقيق منفصل عن الملف الأصلي.
أمّا على صعيد دوليّ، أصدرت يوروجاست (وحدة التعاون القضائي الأوروبي) قراراً بتجميد أصول عينية بقيمة 120 مليون يورو أي نحو 130 مليون دولار، لخمس شخصيات لبنانيّة في كلّ من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ؛ هؤلاء الشخصيات مشتبه بهم باختلاس أموال الدولة اللّبنانية بقيمة 330 مليون دولار و5 ملايين يورو خلال 19 عاماً أي بين 2002 و2021 أي بعد ثورة 17 تشرين وخلال الانهيار الاقتصادي والمالي الّذي ظهر من خلال عدم استقرار لسعر صرف الدولار. وهذا الاختلاس يحقق به القضاء السويسري. خبرٌ عاديّ جداً غير أنّ خلفيّاته تدعو لتساؤلات عديدة.
ففي تفاصيلٍ إضافيّة، تلقت الشخصيات اللبنانية رسائل رسمية من القضاء الفرنسي لتجميد وليس مصادرة ممتلكات وأسهم وأموال. لكن هذا التجميد وفق مصادر قضائية خارجيّة أتى بناءً لطلب قاضٍ لبنانيّ، لكن ليس مدّعي عام التمييز القاضي غساّن عويدات هو الّذي طلبه. فمن الّذي تخطّى صلاحيات قاضي عام التمييز وتواصل مباشرةً مع السلطات الأوروبيّة؟
فور إعلان “يوروجاست” سارع القاضي جان طنوس إلى كتابة تغريدة مفادها تقدم التحقيقات السويسرية بملف اختلاس أموال الدولة دون صدور بيان رسميّ سويسريّ يؤكّد ما نشر من قبل طنوس. وبحسب ما تناقلت أروقة الإعلام والمصادر القضائية، التصرّفات التي قام بها القاضي منذ بضعة أشهر- رفض سفر القاضي رجا حاموش معه إلى اجتماعات اليوروجاست واكتشاف أنّ طنّوس وراء طلب السلطات البلجيكية لممتلكات رياض سلامة – والاحتقان الحاصل بينه وبين مدّعي عام التمييز غسان عويدات يُظهر مدى الشرخ بين القضاة.
بين ليلةٍ وضحاها يستفيق لبنان على قراراتٍ جديدة، وعلى فضائح كبرى، فسياسيّو لبنان لا يتركون فرصة ليتّهموا ويجيّشوا الرأي العام تجاه أخصامهم. فلا ننسى إصرار السلطة السياسيّة إقرار سلسلة الرتب والرواتب الّتي كان يرفضها حاكم مصرف لبنان. فالمرحلة الحاليّة يستغلّها المرشحون للانتخابات لإثبات براءتهم وعدم تحمّلهم مسؤولية الانهيار المالي. ويظهرون أنّ حاكم مصرف لبنان هو الوحيد الّذي يتحمّل مسؤولية ما وصلنا إليه، مغفلين موافقة وطلبات أحزابهم ورؤسائهم لقرارات ماليّة تخفف من الاحتقان، وتهرّبهم من تحمّل النتيجة. هل يسعى القضاء اليوم للإطاحة بحاكم مصرف لبنان لغايات سياسيّة تكفل وصول أشخاص تابعين لأحزاب السلطة إلى حاكميّة المصرف؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us