الانتخابات على طريقة الثنائي


أخبار بارزة, خاص 29 نيسان, 2022

كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:

يصعب على ذي منطق أن يستوعب أنّ تراجع المرشحين، في مناطق البيئة الحاضنة الشهيرة، عن ترشيحاتهم، هو قرار شخصي اتخذه كل منهم بإرادته الحرة من دون أي ضغوط، من “حزب الله” وعناصره، ومن دون تهديدات أمنية، تجعل من عقوبة “السحسوح” التي مورست على غيرهم سلاحاً سلمياً، ولو أدمى رقاب من “حوكموا” به.

الذين انسحبوا من السباق الانتخابي هم من أبناء الطائفة الشيعية، ومن أبناء الجنوب والبقاع تحديدًا، وهم كانوا ترشّحوا بالتحالف مع حزب “القوات اللبنانية”، وأعلنوا في المهرجانات الانتخابية تأييدهم لمواقفه من “حزب الله” وسلاحه، وتمسكهم بدستور “الطائف” وقيم الدولة ومقامها في إدارة الشأن العام.

فجأة انقلب خطابهم إلى الضد، وتبرأوا من مواقفهم برفض السلاح المتفلت، حتى كادوا يتبرأون من ذواتهم، ويقطعون ألسنتهم. لم يكن ذلك نتيجة حوار بناء بينهم، جماعة أو فرادى، مع الحزب المتسلط، الذي استخدم عائلاتهم وعشائرهم بنقل التهديدات المناسبة لإعادتهم إلى “الصراط المستقيم”، مع زعم حدوث نكوصهم في أجواء ديموقراطية سليمة، يعرف الجميع أن الحزب لم يشتهر بانتهاجها، ولا عرفت إليه، أو إلى إيران التي ترعاه، وتستخدمه، سبيلًا.

هذا الواقع يؤكد أن الانتخابات ليست في 15 أيار بل هي قائمة من قبل هذا التاريخ، لكن العين الدولية لن تفتح على لبنان قبل هذا التاريخ، ما يعطي الوقت اللازم لتزوير الإرادات بأساليب القمع والترهيب والسحاسيح الشهيرة، لتأكيد التماسك المذهبي وشد العصب الطائفي، وإقناع البيئة الحاضنة بأن جميع الآخرين أعداء لها، ولأبنائها، وهو ما لخّصه شعار الحزب الإنتخابي:”نحمي…ونبني”. واستطراداً، لا يؤشر إلى الحماية إلّا حمل السلاح، لذا لا تخلي عنه، أما البناء فنحن، الحزب الإيراني، نتولّاه بمال مرشد الجمهورية الإيراني.

يبدو الحزب في هذا الشأن أكثر رهافة ولياقة، وحتى ديبلوماسية، من حليفه “حركة أمل” بدليل أحداث شهدها الجنوب أخيرًا، في الصرفند، واعتدي خلالها على مرشحين أرادوا أن يمارسوا حقهم في إعلان ترشحهم عن منطقتهم وفيها، وسبق ذلك تعدٍّ على محامية اختارت الترشح في دائرة ترشح رئيس مجلس النواب الذي يود أن يخلف نفسه، في المنصبين، طالما هو على قيد الحياة. وبرغم ضآلة حظوظها، فإن أزلامه لم يتقبلوا “جريمتها” فكان. لكن ذلك لا يكفي لفرض ترابط حديدي صلب بين القيادة “الرشيدة” لدى الحليفين والجمهور، وعلى نسق سيناريوهات الإنتخابات السابقة، لذا لم يكن بد من استحضار الصدام مع العدو الإسرائيلي. كيف؟

فجأة، خرق صاروخ “غراد”، روسي الصنع، أجواء لبنان العابقة بهواجس الانتخابات، وحسابات الفوز والخسارة لدى المتسابقين إلى “نعيم” مجلس النواب، وشاغلي مواقع التواصل الإجتماعي، كما المقاهي وزواريب الأحياء، والهتافات ضد الفساد والفاسدين، وقاطعي الكهرباء، والوقود، والرغيف، وغيرها.

أطلق الصاروخ من جنوب لبنان في الأسبوع الماضي، من منطقة رأس العين- القليلة، جنوب مدينة صور، حيث تتمركز قوات الأمم المتحدة (اليونيفل) باتجاه أراضي فلسطين المحتلة، تحديدا الشمال منها، وإذ لوحظ، في التغطية الإعلامية، تضارب في تحديد نوع الصاروخ، وهل كان انفجاراً أم إثنين، فإن ما لفت كان إشارة الناطق العسكري الإسرائيلي إلى أن الصاروخ سقط “في منطقة مفتوحة”، وبمعنى آخر منطقة غير مأهولة، حسب قول الناطق العسكري الإسرائيلي الذي أوضح أن قيادته لم تفعّل الإنذارات في المنطقة، وأنها ردت، ليلاً، بقصف طال مواقع عدة في جنوب لبنان.

هذا “الحدث” المفاجئ جاء من اللا سبب. فالحدود هادئة تماماً، ويكاد القول يصح إنها كذلك منذ أجيال، تحديداً منذ حرب تموز 2006. ثم أن الصاروخ أطلق على منطقة يباب بالكاد قد تصاب فيها قوارض شاردة، لذا لا بد من العودة بالذاكرة إلى أن الحزب متفق مع تل أبيب على “التسامح” مع إطلاق نار على هذا النمط، وفق ما يتعارف الطرفان على تسميته بـ “قواعد الإشتباك”، أي ما يتيح لهما أن يجربا قدراتهما من دون أضرار وضحايا.

لاستكمال الإستنفار الانتخابي لمصادرة 98 بالمئة من المقاعد النيابية الشيعية، يستكمل مشهد الإلتفاف حول الثنائية الشيعية بـ “موسيقى تصويرية” يوفرها خطاب للأمين العام لـ”حزب الله” يحذر فيه إسرائيل من التفكير بهجوم يستهدف مواقع مقاتليه. لكنه يعرف أن لا إسرائيل ستهاجم ولا هو سيرد.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us