الجمعية العمومية للتفاوض


أخبار بارزة, خاص 16 حزيران, 2022

كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان” :

قال الشاعر أبو نواس، الشعوبي في زمنه، في “عجز” بيت من شعره: “ليس الأعاريب عند الله من أحد”، ولو عاش هذا الزمن لكان غيّر رأيه، ولربما قال “ليس لبنان عند العرب من أحد” ولكان وَزَنها على بحر من بحور الشعر العربي الخالدة.

يتبادر ذلك إلى الذهن حين قراءة بيان الديوان الملكي السعودي عن استقبال الرئيس الأميركي جو بايدن في 15 و16 تموز المقبل، يلتقي خلالهما بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ويضيف البيان أن قمة إقليمية ستعقد، في اليوم الثاني من الزيارة، دعا إليها خادم الحرمين، تضم قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومصر والأردن ورئيس وزراء العراق. أي أنه اجتماع قمّة لدول المشرق العربي، مع الرئيس الأميركي، يغيب عنه لبنان، وهو ما يسمح بالإستنتاج المستعجل أن ما سيُبحث لا يؤتمن عليه من يفترض أن يمثل لبنان، أو أن النيّات لم تصفُ بعد بين الجهتين، بعد أزمة الأمن الإجتماعي بعنوان تصدير المخدرات، وغيرها، كون القرار اللبناني لا يزال مختطفاً، وهذا أمر معروف، كما هي معروفة الجهة الخاطفة وأدواتها.

واقعياً، ليس لبنان دولة توحي بالإحترام، ومن الوقاحة إنكار توزع سلطاته على زعماء الطوائف، وليس على الطوائف، وهم يتحكمون بالتوازنات الداخلية، على تفتتها، استناداً إلى المناطق والعشائر والجهات، والمغانم، التي ينهلونها باسم “القطعان” المسماة جماهير، وهي لا تسألهم عن أسانيد قراراتهم، التي يضر أكثرها بمستقبلهم، ومستقبل ذريّتهم. فالمهم أن الزعيم بخير، ويحقق أهدافه في الحياة، ويترك لهم فتات عظام الدولة.

لا حاجة لدلائل ومؤشرات إلى ذلك. فمنذ انفجار مسلسل الأزمات، قبل أكثر من سنتين إلى اليوم، يغرق البلد في جوعه، ولم يعطِ أي من عباقرة الحكم أي مخرج من أي منها، بل تفننوا في ترقيع حُفرِها، وليس مسلسل الكهرباء، الذي تفوق حلقاته عدد حلقات المسلسلات التركية، أو المكسيكية، إلّا إمعاناً في الإنتهازية السياسية المكلفة للبلد وأهله، ولا لزوم هنا لمقارنات بين عيش “أبناء البلد” وعيش المستجدين على الغنى والبحبوحة من العمولات والصفقات، الممعنين في الإنتهازية، والمتواقحين في ادعاء العفة.

كل ذلك يجري في الجسم الحي للوطن، وبايقاع بطيء يلجم الألم، لكنه يعمق أثلام الجروح، حتى بات المشهد، عموماً، مقسوماً إلى حيّزين، القتلة من جهة والضحايا من جهة أخرى: الأولون يُتخمون شبعاً، والأخيرون يوغلون جوعاً.

على هذا المشهد حطّت طائرة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، ولم يترك أحداً لم يجتمع به حتى من “يُشتبه” بإمساكه طرف مسؤولية أو قرار، واختلطت السلطات من تنفيذية وتشريعية حتى احتاج الضيف إلى خريطة طريق ليعرف “أحجام” من يخاطبهم، ولربما تاه قدّام الياس أبو صعب هل هو مستشار رئيس الجمهورية، أم نائب رئيس مجلس النواب، وهل هو نائب مشرع، دستوريّاً، أم هو ناصح لرأس الحكم؟ هل يشرّع لبعبدا، أم ينصح لمصلحة ساحة النجمة؟

ربما شعر الضيف، من خلال اجتماعاته، بدءاً من وزير الطاقة، وصولاً إلى بعبدا، وما بينهما، وبعدهما، من محطات، أنه في جمعية عمومية، على الواقف، لشركة اسمها لبنان، “ذات مسؤولية محدودة”، لكن خانه جهله بأن في لبنان ما يكنّى بـ”الطوائف المؤسسة” التي لا تقتصر على الثلاث الكبرى، ولا يجوز تجاهل رأيها في ترسيم الحدود البحرية مع العدو الصهيوني، احتراماً لوحدة الوطن، خصوصاً أنه مدعو لاحترام “الموزاييك” الوطني.

الطريف في كل ذلك، أن يواجهنا كبار المفاوضين المحليين بالقول أن الرؤساء الثلاثة قدموا موقفاً موحّداً إلى الزائر الأميركي، وكأن العكس كان هو المنتظر، فيما غادر الأخير إلى بلاده (إسرائيل أم واشنطن) ليعود إلى دولة الإحتلال بعد أسبوع لتنشيط تقريب وجهات النظر مع لبنان. وستكون لافتة المقارنة بين عدد الذين اجتمع بهم في بيروت، لمعرفة الموقف اللبناني، وعدد من يملكون القرار الإسرائيلي، لكن الحوارات السابقة، منذ انطلاق التفاوض تشهد بأن الأميركي لا يصدق إلا ما يسمعه بأصوات الجميع، ممن يشتبه في أنهم ذوو مسؤولية في سلّم الدولة المتهاوية، وهو ما لا يمارسه في تل أبيب ولو كانت حكومتها مستقيلة ومهددة بانتخابات تشريعية جديدة تفرضها الفسيفساء السياسية للقوى السياسية التي تتكون منها.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us