معارك حول مصير مواقع صغيرة وليس حول مصير لبنان


أخبار بارزة, خاص 24 كانون الأول, 2022

كتبت شهير إدريس لـ “هنا لبنان”:

يقفل العام 2022 أبوابه وصفحاته المليئة بالأزمات في لبنان على بهجة أعياد مفقودة وعلى معاناة المواطنين التي يتناساها السياسيون المنهمكون في مناكفاتهم الممجوجة وعرقلتهم لسير عمل المؤسسات، ضاربين عرض الحائط مصير البلد وأهله ويتلهون بصغائر الأمور تلبية لغرائزهم السياسية ومواقعهم الطائفية وهيمنتهم على مقدرات لبنان وآخرها النفط والغاز بعد إنهاء ملف ترسيم الحدود.

ملفات مصيرية أولها انتخاب رئيس للجمهورية لم تفلح السلطة السياسية في إيجاد حل لها، من عدم لجم ارتفاع الدولار إلى الوضع الصحي المتردي وفقدان الأدوية وحليب الأطفال والتغطية الصحية، وصولاً إلى تعطيل متعمد وشلل مقصود لانتخاب رئيس جديد تريده فئة من النواب المنتخبين من الشعب اللبناني أن يصب لمصلحتها دون النظر إلى مصلحة الوطن والناس، فيما فئة أخرى حسمت أمرها وتتطلع إلى إجراء عملية إنقاذ لموقع الرئاسة لكن طموحاتها غير كافية والتقاؤها على نفس التوجهات والأفكار صعب.

انسداد كبير في شتى المجالات لم تفلح معه أي مبادرة داخلية أو خارجية تبدد تخوّف اللبنانيين من الفراغ القاتل وتضع نوعاً من الخشية لدى المسؤولين، وهذا ما ظهر من غضب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الطبقة السياسية في لبنان رغم مساعيه المتواصلة لإيجاد حلول للأزمة اللبنانية، قائلاً: “هل لدى الطبقة التي تعيش على حساب لبنان الشجاعة لأن تغير”، وكذلك من كلام الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط الذي أشار إلى أن لبنان يمرّ في وضع سياسي واقتصادي صعب للغاية ومعقّد، لافتاً إلى وجود انسداد سياسي داعياً إلى حشد الهمم وحزم الرأي من قبل السياسيين والاقتصاديين وجميعهم مطالبون بأن يبذلوا الجهود في أسرع وقت ممكن للخروج بلبنان من هذا الوضع الصعب. مما يؤشر إلى أن أزمة لبنان داخلية ولا تنفع معها الحلول الخارجية، وعلى الجميع تحمل مسؤولية إخراجه من النفق المظلم.

لكن السنة الجديدة تطل داخلياً على أزمات قديمة جديدة ستعيق مسار الدولة والحلول المطلوبة، وتتمثل بصلاحيات حكومة تصريف الأعمال ورئيسها نجيب ميقاتي وعقد جلسات طارئة لمجلس الوزراء وآلية توقيع المراسيم ومسألة الثلث المعطل. إذ ترى مصادر دستورية لموقع “هنا لبنان” أن الخلاف سياسي وليس له أي علاقة بالدستور الواضح في هذا المجال والذي يقضي بأن تجتمع الحكومة للبت بالأمور الضرورية والملحة والطارئة أما موضوع المراسيم الجوالة التي يطرحها التيار الوطني الحر فلا تستقيم دستورياً وتأتي من باب المناكفات السياسية.

فيما اعتبرت مصادر سياسية حكومية أن عمل اللجنة الرباعية سيحكمه الشلل بعد موقف وزير العدل – ذي التوجهات السياسية – المعروفة الذي أصر على عدم جواز عقد جلسة حكومية ما لم يحضرها جميع الوزراء المفروض عليهم توقيع المراسيم وكالة عن رئيس الجمهورية ولم يرَ لزومًا لعقد مثل هكذا جلسات والاستعاضة عنها بمراسيم جوالة. في ظل رأي الوزراء الثلاثة القضاة الذين يؤيدون دعوة الحكومة للإنعقاد كلما دعت الحاجة وكانت المصلحة الوطنية العامة تقتضي ذلك.

ملامح التعطيل بدأت مع أزمة يريد التيار الوطني الحر استثمارها سياسياً وأمام جمهوره ووضعها في خانة الحفاظ على صلاحيات رئيس الجمهورية، إذ أن سياسة التعطيل والتفاوض على وجع الناس أصبحت ملاصقة لهذا التيار ورئيسه جبران باسيل الذي لا يرى المصلحة العامة بل مصلحته الشخصية بحسب مصادر سياسية ويعمل على شل عمل الحكومة من جهة وضرب هيبة الجيش وقائده الذي باتت أسهمه مرتفعة رئاسياً.

أول غيث التعطيل والنكد السياسي الواضح والصريح الذي يشنه باسيل بدأ مع قرار وزير الدفاع موريس سليم الذي قدم مصلحة رئيس التيار على مصلحة العسكريين من خلال تمنعه في بادئ الأمر عن توقيع المرسوم المتعلق بالمساعدة الإجتماعية بعد إرساله إليه مجدداً من قبل دوائر رئاسة الحكومة والذي سيصيب أيضاً كافة الأسلاك الأمنية والعسكرية. ثم التوقيع عليه وإحالته على الأمانة العامة لمجلس الوزراء بصيغة أربعة وعشرين توقيعاً بعد أن علت صرخة العسكريين عشية الأعياد وتلويحهم بالقيام بخطوات مضادة. وبعد رد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والذي طلب فيه من سليم ضرورة تعجيل السير وإصدار مشروع المرسوم الموافق عليه من قبل مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 5/12/2022، وليس بالصيغة التي أعدّها وزير الدفاع.

أما الأزمة الأخرى فتتعلق بترقيات الضباط وتأجيل تسريح عدد من القادة وفقاً لمقترح رفعه قائد الجيش العماد جوزف عون إلى وزيرالدفاع والمتعلق بتسريح رئيس الأركان والمفتش العام في المجلس العسكري عشية حلول موعد تقاعدهما. وهذا ما يعمل عليه باسيل لتصفية حساباته مع قائد الجيش الذي لم يفسح مجالاً لباسيل في عهد الرئيس ميشال عون لفرض سطوته على الجيش اللبناني. إذ سيحال رئيس الأركان العامة في الجيش اللبناني وعضو المجلس العسكري اللواء أمين العرم إلى التقاعد نهار السبت، والمفتش العام وعضو المجلس العسكري اللواء ميلاد اسحاق نهار الأحد، وفي ٢ شباط مدير الإدارة وعضو المجلس العسكري اللواء مالك شمص. فهل سيلتزم وزير الدفاع بقانون الدفاع الذي يعطيه الحق بإصدار قرار تأجيل تسريح الضباط من الخدمة لعدم جواز الشغور في المرفق العام إلى حين تسمح الظروف بتعيين مجلس الوزراء من يخلفهم، أم سيلتزم أيضاً بقرار رئيس تياره وإيقاف اجتماعات المجلس العسكري المؤلف من خمسة أعضاء، بالإضافة إلى قائد الجيش العماد جوزف عون، إذ لا ينعقد المجلس إلّا في حضور جميع أعضائه الخمسة، وقراراته بالأكثرية.

في سياق متصل أقام قائد الجيش العماد جوزيف عون حفلاً تكريمياً في اليرزة لكل من اللواء الركن أمين العرم رئيس الأركان، واللواء الركن ميلاد اسحق المفتش العام لمناسبة إحالتهما على التقاعد، لكن قضية التمديد للواء العرم والتي كانت ستؤدي إلى مشكلة جديدة بين التيار والإشتراكي حضرت في جانب من اللقاء الذي جمع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والذي جرى في منزل ابنة جنبلاط داليا بعد العمل عليه من قبل بعض الوسطاء وقد تظهر نتائجه في حال وقعها وزير العدل ليلاً.

وبحسب مصادر جنبلاط والتيار معاً فإن العنوان الرئيسي للقاء هو الملف الرئاسي وما يدور حوله من عملية تعطيل لا سيما أن جنبلاط فسّر ما يحصل في لبنان بـ “ضروب من اللامعقول”، وأشارت مصادر جنبلاط أنه يأتي في سياق الحوار الذي ينادي به دوماً بين جميع الأفرقاء بسبب إنسداد الأفق، لذلك من الضروري التحاور مع التيار وحزب الله وغيره من القوى السياسية، وهذا لا يعني أن الحزب التقدمي الإشتراكي سيغير في مواقفه أو تموضعه لجهة تسمية المرشح النائب ميشال معوض في الوقت الراهن ولهذه الغاية كان جنبلاط قد أوفد النائب وائل أبو فاعور إلى معراب وإلى النائب ميشال معوض لوضعهم في صورة اللقاء مع باسيل كي لا يفسر على أنه صيغة جديدة للإنقلاب على التفاهم بشأن معوض. وكشفت المصادر أن باسيل يحاول قطع الطريق على رئيس تيار المردة سليمان فرنجية كما على قائد الجيش العماد جوزيف عون طارحاً على جنبلاط سلة من الأسماء التوافقية التي قد تكون مقبولة من الجميع.

لا يبدو بحسب الأجواء السائدة أن هذه اللقاءات قد تحدث فرقاً في الشلل القائم لكنها قد تفتح الباب على نوع من التواصل مع نهاية العام الحالي تؤسس لمرحلة لاحقة مع بداية السنة المقبلة والحديث عن إمكانية الدعوة إلى لقاء دولي فرنسي- أميركي- سعودي – قطري من أجل البحث في الملف اللبناني.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us