من يعلّق الجرس في رقبة القط؟


أخبار بارزة, خاص 14 نيسان, 2023

عشية كل استحقاق انتخابي لبناني، تتصدّر سيناريوهات التأجيل والتمديد والفراغ المشهد، قبل أن تحسم السلطة السياسية قرارها في اللحظات الأخيرة، وما جرى في صدد الانتخابات البلدية المؤجلة أمس، بحجة التحضيرات التي لم تكتمل، ونقص الإمكانات، ليس سوى نموذج من غياب التخطيط وانعدام الرؤية الاستراتيجية لدى أهل السلطة


كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:

يشير العنوان أعلاه، بوضوح، إلى القصة المعروفة والخاصة باتخاذ مجموعة من الفئران مقرّاً لها في أحد البيوت الكبيرة، حيث تتمتع بسعة العيش وحرية الحركة، لكن الهناءة لا تدوم، إذ اهتدى هر إلى مسكن العصبة، وصار مصدراً لخطر يومي ينغّص عيشها ويقلقها. ولإرساء نوع من السلام والطمأنينة في حياتها، كان يجب على هذه الفئران تحييد ذلك الخطر الذي يمثله القط.

بعد اجتماعات ومناقشات أجرتها حول هذا التحدي، اهتدت إلى فكرة “فذّة”، خلاصتها أن تضع جرساً حول رقبة القط، كي تفطن إلى أي حركة منه بغية الانقضاض على أحدها، لكن الحل واجه مشكلة عويصة: من يستطيع فعلاً وضع الجرس حول رقبة القط!

هو السؤال نفسه، لكن بصيغة مختلفة، طرحته المجموعات السياسية على نفسها، في صدد الانتخابات البلدية، ليس في أنّها ستجري، أو لن تجري، وليس في موعدها، أو غير موعدها، بل في كيفية إلغائها، أو تأجيلها، وتمرير القرار من دون استفزاز الشارع، ومواجهته، تماماً كما سعت شلّة الفئران إلى تجنب رهبة الهر. فبين قرار بتأجيل الانتخابات، أو مثله بتمديد ولاية المجالس البلدية الراهنة اختار أهل الحل والربط، متكافلين متضامنين، التمييع بين القدرة المالية للدولة، واستحضار التجهيزات، وقصر الوقت، لاستنباط لامسؤولية الحكومة عن تخطي استحقاق دستوري جديد، وفي الموازاة لامسؤولية مجلس النواب، بحيث يبدو الجميع ضحايا الظروف السياسية القاهرة، وأنهم اتخذوا القرار بالتمديد مرغمين، وتحت ضغط ظروف لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

وعلى طريقة أغنية فيروز “تعا ولا تجي” وصل مجلس النواب، أمس الخميس، إلى قرار مزدوج لا يجرّمه بالتمديد، ولا يحمل الحكومة المسؤولية: تأجيل لسنة، وترك القرار للحكومة لتحديد موعد بديل خلالها. وكانت اقتراحات بالتمديد للمجالس الحالية قيد التحضير تتفاوت مددها بين 4 أشهر إلى سنة ونصفٍ، وتستند إلى أسباب موجبة تتعلق بعدم توافر الأموال، وعدم الجهوزية اللوجستية، فيما كان رأي المعترضين “أن الأمر أكبر من الحكومة ومجلس النواب، وما الصواريخ من الجنوب إلّا مساهمة في ذلك”.

عشية كل استحقاق انتخابي لبناني، تتصدّر سيناريوهات التأجيل والتمديد والفراغ المشهد، قبل أن تحسم السلطة السياسية قرارها في اللحظات الأخيرة، وما جرى في صدد الانتخابات البلدية المؤجلة أمس، بحجة التحضيرات التي لم تكتمل، ونقص الإمكانات، ليس سوى نموذج من غياب التخطيط وانعدام الرؤية الاستراتيجية لدى أهل السلطة، وما مر به التأجيل الجديد ليس إلّا نموذجاً إحتذى به أهل الحكم منذ زمن بعيد، يبدأ بكلام ايجابي يوحي بأنّ الخطوات اللازمة قيد التحضير للاستحقاق المقبل، ثم تتدرج الأمور تراجعاً، بنقاشات خلافية وتقلبات في المواقف، سلبياً من جهة وإيجابياً من جهة أخرى، إلى أن يبرز التوافق فجأة ويتفاهم المختلفون، ويقفزون فوق الاختلافات التي كان التواطؤ على زعمها غير خافٍ على المواطن، الذي، للأسف، يدري بما يحيط به، ولا يتمرد، كأنه يستمرئ ما يؤذي مستقبل أولاده والخضوع لما يرسم له، وحتى الخنوع، عدا انتفاضات موضعية وآنية.

ما انتهى إليه أمر الانتخابات البلدية هو تماماً ما ترويه حكاية الهر المخيف حسب إحدى الروايات، وهي أنّ لا أحد يجرؤ على تعليق الجرس، فبقي الحال على حاله، وهو ما فعله مجلس النواب في شأن البلديات: برّأ الحكومة بتبني تبرير التأجيل بالأسباب الإدارية واللوجستية، وبرّأ نفسه بأن أعطاها إمكانية إجراء الانتخابات متى أرادت خلال السنة الممدّدة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us