يا حمار

“الحمرنة” هي صفة تطلق جزافاً على فرد أو مجموعة غالباً يفعل/أو تفعل عكس المنتظر منه/منها. مثلاً ماذا يفترض بالنائب الممانع أن يفعل اليوم؟ يفعل العكس.

كتب عمر موراني لـ “هنا لبنان” :

من تقاليدنا التربوية أن متى أراد أستاذ تأنيب تلميذ بليد الذهن عاجزٍ عن حفظ بيت شعر أو حلّ معادلة حسابية بسيطة أو تذكر سنة استقلال لبنان، أن يعنفه بعبارة شديدة الوقع “إنت حمار ما طالع من أمرو شي”، بذا يكون أساء مباشرة إلى الحمار المعروف عنه أنه قادرٌ في عمر متقدّم على تذكر الأماكن التي زرتها برفقته من قبل، كما يمكن للحمير التعرف على أصدقائها التي لم ترها منذ ربع قرن كما يمكنها التمييز بين المياه الصالحة للشرب وبين تلك الملوثة أو المتسخة، ما يعني أن الحمار موثوق به أكثر من بعض شركات تعبئة المياه ويمكنه أن يقارع الفيل بمسابقة الجغرافيا. مع الوقت وتوافر وسائل المساعدة لا تستغربن أن يحفظ الحمار قصائد الأعشى ولبيد وعمرو بن كلثوم.

من الحمار إشتق فعل “تحمرن” الذي يطلق على ذكيّ مجتهد لمّاح وفي استحقاق ما أو امتحان خانه ذكاؤه ورسب. في الواقع لو كان حماراً بحق لتخطّى المعدّل المطلوب للنجاح. أما “الحمرنة” فهي صفة تطلق جزافاً على فرد أو مجموعة غالباً يفعل/أو تفعل عكس المنتظر منه / منها. مثلاً ماذا يفترض بالنائب الممانع أن يفعل اليوم؟ يفعل العكس. أما أفضل مثل ومثال للإستحمار فيتجسّد بالعلاقة التي تربط المسؤول أو المرشد الفائض القوة بمكونات مجتمعه، بما فيها النخب. كل يوم يطل علينا من يستحمرنا. ومرة جديدة أعتذر من الحمار.

لا اعتبار في لبنان للحمار اللطيف الوديع الكادح المتميّز بين الحيوانات الدابّة على أربع أرجل. لا كرنفال شعبياً للحمير يُقام كما في المكسيك لاختيار الحمار الأجمل، ولا معرض تكريميّاً لها كما في مدينة موبو الفرنسية، ولا تتسابق الحمير في لبنان كما في البحرين إلّا بدافع السخرية كما لا يوجد أدنى تقدير للحمير كما في كينيا التي يقارب عدد حميرها المليونين، إذ تستمر الإحتفالات خمسة عشر يوماً تقديراً للحمار، اعترافاً بدوره في الإقتصاد الكيني وتُعدّ إفريقيا أكبر موطن للحمير، حين يعيش فيها ثلثا عدد الحمير الموجودة في مجمل بلدان العالم.

ليس في لبنان وحده يُهان الحمار ويتعرّض للتنمّر. في اليونان الدولة الأوروبية قامت القيامة على المعاملة القاسية التي تتعرض لها الحمير في جزيرة سانتوريني، حيث يتم استخدامها فى نقل الأمتعة والسائحين على المنحدرات، ما أثار سخط منظمة “بيتا” المكلّفة الدفاع عن حقوق الحيوان. مش يعني حمار تركبوا على ضهرو. خمسون كيلوغراماً حمولة؟ أوكي. أكثر؟ فتّشوا عن بغل.

مؤسف أن يمر اليوم العالمي للحمار ( 8 أيار) في لبنان من دون أي لفتة، فيما المطلوب اليوم، أكثر من أي يوم مضى، تصحيح المفاهيم الخاطئة، فاستحمار بعض السياسيين والمسؤولين لمواطنيهم لا يفي بالغرض. إنهم يستغبون الناس ويستهبلونهم. فتحية من القلب، ولو متأخرة، لتسعة وخمسين مليون حمار في يومها العالمي بما فيها حمير لبنان.

مواضيع مماثلة للكاتب:

عرّاب الأب والابن… والمتن

كبتاغون وكوكا.. وماذا بعد؟

مفتي “الحزب” الممتاز