تيار المفقودين في سوريا الذي جرف “التيار”


أخبار بارزة, خاص 3 تموز, 2023
سوريا

إنّ “تياراً” نشأ على حبلين: حبل التذرع بالوطنية وحبل المصالح، لن يتردد في أن يتصرف كما تصرّف بالأمس حيال قرار الأمم المتحدة. ولا جدال في أنّ مصير اللعب على الحبلين هو السقوط مهما طال الوقت. إنّه “تيار” جرفه اليوم تيار السخط على تصرف الحكومة الميقاتية الجبان.

كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

بذل وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بوحبيب “جهداً” لافتاً كي يبرر موقف هذه الحكومة من قرار الأمم المتحدة للمفقودين والمخفيين قسراً في سوريا. ونتيجة هذا “الجهد”، وصل بوحبيب في عصارة تجربته الديبلوماسية المديدة إلى عبارة “عدم الإنجرار وراء تصويت خلافي”. فبدت هذه العبارة من أدبيات دولة وكأنّها تقف على الحياد تماماً مع سوريا. وبالتالي فإنّ المئات، وربما الآلاف من اللبنانيين المفقودين والمخفيين قسراً في دولة النظام الأسدي، هم رعايا لدولة لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالدولة التي يمثّلها بوحبيب.

لا يخفي الأخير حتى اليوم أنّه عضو في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ممثلاً لـ “التيار الوطني الحر”. فعندما صار وزيراً في الحكومة الحالية منذ أيلول 2021، في آخر عام من عهد الرئيس ميشال عون، كان ينطق بهذا التمثيل. وهو اليوم، وفي ظلّ رئاسة النائب جبران باسيل لـ”التيار”، يتمتع بهذا التمثيل. فهل، كان وزير خارجية الحكومة الميقاتية على انسجام مع تياره السياسي في موقفه الأخير من ملف المفقودين في سوريا؟

الجواب، يؤكد وجود مثل هذا الانسجام. فلبنان، حين غرق في موجة استنكار عارمة لموقف بوحبيب من التصويت في الأمم المتحدة، لم ينضمّ “التيار” إلى جوقة الصمت التي قادها فريق الممانعة بقيادة “حزب الله” فحسب، وإنما انفرد في مقارعة المستنكرين. ومن هنا لا بد من التوقف عند النص الآتي: “اليوم مزايدات حول موقف لبنان من الامتناع عن التصويت لمصلحة قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يقضي بإنشاء هيئة مستقلّة لمتابعة قضية المفقودين والمخفيين قسراً في الحرب السورية… ففيما أوضحت وزارة الخارجية موقف لبنان الذي ينأى عن أيّ تصويت قد يفجر خلافات إضافية ولا يوصل إلى أيّ نتيجة بالنسبة إلى الملف الإنساني، تهافت سياسيون من أحزاب كانت موالية للوصاية السورية، أو أخرى شاركت في عملية 13 تشرين الأوّل 1990، إلى استغلال الموضوع للتصويب السياسي المعتاد على التيار الوطني الحر…”!

هذا النص، ورد مساء الجمعة الفائت في مقدمة النشرة الإخبارية الرئيسية لقناة “أو تي في” الناطقة باسم “التيار”. ولا داعي لتوضيح ما هو واضح في النص، وخصوصاً ما يتعلق بـ “المزايدات”.

وهكذا تحوّل الغضب اللبناني العارم ضد موقف بو حبيب، وهو موقف لم يصدر مثله من قبل عن دولة مستقلّة في التاريخ، إلى مجرد “مزايدات”!

ربما لو لزم “التيار” الصمت في هذه القضية الوطنية، لكان الصمت مفهوماً جرياً على المثل الشائع “إذا ما ابتُليتم بالمعاصي فاستتروا”. لكن، أن يجاهر “التيار” بهذه المعصية، فقد انطبق عليه مثل أكثر شيوعاً هو “إن لم تستحِ فافعل ما شئت”!

ما يستحق الوقوف عنده اليوم في مسار “التيار” الذي يصارع كي يبقى في منطقة وسطى بين نقيضين لا يلتقيان. النقيض الأوّل، هو الرغبة في التميّز عن “حزب الله” في الاستحقاق الرئاسي. والنقيض الثاني، هو البقاء على تفاهم مع “الحزب”. فهل سينجح باسيل برعاية مؤسس التيار في التوفيق بين هذين النقيضين؟

من حظّ “التيار” العاثر قيام الأمم المتحدة بالتصويت على “مشروع القرار الخاص بإنشاء آلية جديدة للمفقودين في الجمهورية العربية السورية”. ففي هذه الفترة، يصلّي “التيار” كي لا يكون عرضة لمثل هكذا اختبار. وكان الرئيس السابق ميشال عون قد زار أخيراً دمشق كي يعيد مياه الود بينهما إلى مجاريها. لكن من يعود إلى محاضر هذه الزيارة يكتشف مفارقة كادت أن تلطخ سمعة عون. ففي حين أوردت وكالة (سانا) السورية الرسمية ما اعتبرته مواضيع البحث، اضطر المكتب الإعلامي للرئيس السابق بعد عودته إلى الرابية، إلى إصدار بيان يشير إلى أنّ لقاءه مع بشار الأسد تناول أيضاً ملف النازحين السوريين في لبنان.

إنّ موضوع النازحين السوريين في لبنان الذي يمثل أهم ملف عالق بين بيروت ودمشق، لم يتردّد نظام الأسد في إخفائه عن البيان حول زيارة عون الأخيرة للعاصمة السورية. فكيف سيكون الحال، لو جاهر بو حبيب الذي يمثّل عون في الحكومة الحالية بتبنّي قرار الأمم المتحدة الأخير؟

لا يزال الكثيرون من الأحياء الذين رافقوا تجربة الجنرال في “عملية 13 تشرين الأوّل 1990″، التي يعيد “التيار” اليوم إلى التذكير بها. فبعد نفيّ استمر 15 عاماً في فرنسا، عاد الجنرال نفسه باتفاق مع الأسد وتالياً مع الأمين العام لـ”حزب الله”. ومن أهم بنود الاتفاق، أن “لا يأتي التيار على ذكر المئات من أعضائه ومثلهم في الجيش اللبناني الذين طحنتهم آلة ديكتاتور دمشق”.

إنّ “تياراً” نشأ على حبلين: حبل التذرع بالوطنية وحبل المصالح، لن يتردد في أن يتصرف كما تصرّف بالأمس حيال قرار الأمم المتحدة. ولا جدال في أنّ مصير اللعب على الحبلين هو السقوط مهما طال الوقت. إنّه “تيار” جرفه اليوم تيار السخط على تصرف الحكومة الميقاتية الجبان.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us