نجاح سلام وأمين معلوف… والثقافة المفقودة


أخبار بارزة, خاص 7 تشرين الأول, 2023

نجاح سلام وأمين معلوف لهما في التاريخ نقاط مفصلية تجسد فكرة الثقافة اللبنانية السابقة، وعندما لم يجدا لنفسهما مكاناً في وجهة لبنان الجديدة بعد الحرب، انسحبا إلى العزلة أو إلى الهجرة، وفي هذا الأمر… رسالة كبيرة.

كتب جان نخّول لـ “هنا لبنان”:

حدثان يفصل بينهما ساعات قليلة، لهما رمزية تفصلنا عن مسافات زمنية بين لبنان الكبير ما قبل الحرب، ولبنان المهدد بعد انفجار المرفأ.
نجاح سلام تمثل برمزيتها الفنية حداً فاصلاً بين زمنين، مرحلة التأثر بالسينما المصرية قبل إطلاق براعم الأغنية اللبنانية الحديثة، ومرحلة الإذاعة اللبنانية وعصبة الخمسة والأخوين رحباني وكل ما تلا ذلك. وأمين معلوف يمثل نقطة فاصلة بين زمنين لبنانيين، يتمثلان بالخيار بين الفكر والثقافة والأدب المشرقي إلى العالم، والعتمة الفكرية، وحجز لنفسه مكاناً دائماً ومكانة أساسية في الأكاديمية الفرنسية.
أما القاسم المشترك بين الشخصيتين فهو عام ١٩٧٦، عام مغادرة أمين معلوف لبنان في بداية الحرب اللبنانية، وعام اعتزال نجاح سلام واختيارها طريق الالتزام الديني والمنزلي والعائلي.
بالشكل والمضمون، قواسم مشتركة بين الشخصيتين، ولكن الأهم هو أنهما يعكسان مرحلة من التاريخ لا تتكرر بسبب غياب النظرة.
الشخصيتان نتيجتان لمرحلة فنية كانت فيها نظرة فنية. فبعد إعلان لبنان الكبير، كانت هناك مساعٍ من كبار المفكرين والأدباء في ذلك الوقت، لتأسيس إرث فني وثقافي للدولة الحديثة، فكانت النتيجة عام ١٩٥٧ مع إطلاق الليالي اللبنانية ضمن مهرجانات بعلبك الدولية، من أجل وضع حجر الأساس لتدوين الفلكلور ومنحه مساحة وازنة في هذا الصرح التاريخي.
تأثر كميل شمعون بكل ما سمعه من محيطه الذي غلبت عليه الشخصيات الفكرية والأكاديمية والمتأثرة بالقومية اللبنانية، والبعد التاريخي للدور المسيحي تحديداً في جبل لبنان، وأعطى الأخوين رحباني ورفاقهما القدرة على تحقيق هذا الأمر الذي فاق المتوقع.
الفكرة من هذا الموضوع أن الهدف خلف الجمهورية الأولى في لبنان كانت تقوم على وضع أسس فعلية لكيان، وهو أبعد من فكرة الدولة البسيطة. فالكيان له روح وله إحساس، وله ماضٍ ويخطّط للمستقبل. وهذه كانت قوة الجمهورية الأولى التي وضعت أسساً تجعل من التاريخ والمستقبل على السكة نفسها.
بعد الحرب، تبدل هذا الواقع، ولم تجد الجمهورية الثانية في لبنان من يضع هذه الخطط من أجل رسم أفق للمستقبل، ومحاولة تأمين الذاكرة الجماعية للمجتمع بغية الحفاظ عليها بعد حين.
انطلاقاً من هذا الأمر، يعيش لبنان اليوم ما هو أبعد من مجرد أزمة سياسية عابرة تتمثل بفراغ من هنا وبأزمة حكومية من هناك، وبمساعٍ لتغيير برلماني بين الاثنين. يعيش لبنان مشكلة فعلية تتمثل في غياب الفكرة والتخطيط الثقافي الذي يجمع المواطنين في دولة واحدة على الانتماء لكيان واحد.
آخر مشروع فني نشأ في دولة لبنان الحديثة كان استديو الفن، وكان مشروعاً له انعكاسات تجارية تتخطى الحدود اللبنانية، وهو آخر مشروع تمكن من تصدير فكرة ما أو نهج قائم.
أما على صعيد الأدب والفكر، فانشغل لبنان بفترة ما بعد الحرب بتأريخ أحداثها، وباتت لغة الأحرف تغلب عليها ويلات الحرب.
مشكلة لبنان الكبير اليوم باتت أبعد من السياسة، إذ تعجز الدولة عن تأمين مشروع ثقافي يجمع الأفكار نفسها في إطار موحد، وتعطي علة وجودية للدولة القائمة في حدودها الحالية. تأتي الأزمات معطوفة عليها، ولا سيما أزمة الوجود السوري في لبنان، الذي أثر على واقع الموسيقى اللبنانية بشكل عام. فالأغنيات الصادرة في السنوات العشر الأخيرة تأثرت من دون أي شك بالجو الموسيقي السوري، حتى بطريقة اللفظ، ومخارج الحروف التي باتت أقرب إلى السوري منها إلى اللبناني.
يوم ستزول هذه الثقافة وأهداف الدولة الثقافية، لن يعود هناك من مبرر لإبقاء الحدود على ما هي.
نعود إلى نجاح سلام وأمين معلوف. لهما في التاريخ نقاط مفصلية تجسد فكرة الثقافة اللبنانية السابقة، وعندما لم يجدا لنفسهما مكاناً في وجهة لبنان الجديدة بعد الحرب، انسحبا إلى العزلة أو إلى الهجرة، وفي هذا الأمر… رسالة كبيرة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us