عودة إلى الدولتين


خاص 6 كانون الثاني, 2024

تعايش الدولتين لا يحميه جدار بل اتفاق سلام يوفر لطرفيه حقوقهما المشروعة، وينهي خصومة تاريخية، تدفع المنطقة كلفة أعبائها دماراً وأرواحاً


كتب راشد فايد لـ”هنا لبنان”:

يختلف مشهد المنطقة، اليوم، عما كان عليه قبل السابع من تشرين الأول (أوكتوبر) الفائت، حين سقطت هالة جدار الفصل الذي حاصر الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأدانه المجتمع الدولي، إبّان إنشائه، من دون أن يغيّر ذلك من الوقائع الميدانية التي فرضها على الحياة اليومية للفلسطينيين، وما استمرار الصراع، لا سيما في هذه المرحلة، سوى تأكيد كون الحل، الذي تتبناه أغلب دول العالم، وفي الطليعة الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، والمجموعة العربية، وهو حلّ الدولتين، إذ هو المخرج الأوحد من استمرار نزيف الدمار والدماء على ضفتي الصراع، ولا أدلّ إلى ذلك من مواصلة التصادم منذ ثلاثة أشهر، من دون حسم، وتزايد الدعوات الدولية والشعبية إلى حلّ الدولتين بما يقلص العداوة بينهما، ويحقق السلام في المنطقة.
لم ينتج أيّ من الحلول التي اقترحت منذ “اتفاق كامب ديفيد” عام 1979 تسوية للبّ الصراع، بل مصالحات في “ضواحيها”، فهي أنهت حالة الحرب بين مصر وإسرائيل، وتمتع كلا البلدين بتحسين العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة وفتح الاتفاق وإنهاء حالة الحرب الباب أمام مشاريع لتطوير السياحة، خاصة في سيناء. وكذلك الحال مع الأردن في ظل اتفاق وادي عربة وهي معاهدة سلام وقعت بين الأردن وإسرائيل على الحدود الفاصلة بين الدولتين والمارة بوادي عربة في 26 تشرين الأول 1994. طبعت هذه المعاهدة العلاقات بين البلدين وتناولت النزاعات الحدودية بينهما. وهي ترتبط مباشرة بالجهود المبذولة حينها في عملية السلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبتوقيع هذه المعاهدة صار الأردن ثاني دولة عربية بعد مصر وثالث جهة عربية بعد مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية تطبع علاقاتها مع إسرائيل.
لكن التطبيع، منذ “كامب ديفيد” إلى المصالحات المماثلة راهناً، فوق الطاولة وتحتها، لم يأتِ بحلّ للبّ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بدليل ما يحصل اليوم من مواجهات دموية، تجمع القوى الدولية على أنّ الخروج منها لن يكون إلا بحل الدولتين، ولا أدلّ إلى ذلك من خرق الجدار بعد 14 سنة من بدء تشييده في حزيران 2002، برغم إصدار محكمة العدل الدولية في 9 حزيران 2004 رأياً استشارياً يقضي بعدم شرعية الجدار، أيده 150 بلداً عضواً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، من ضمنها جميع دول الاتحاد الأوروبي الخمس وعشرين حينها، بينما عارضته 6 دول تتقدمها الولايات المتحدة وأستراليا وإسرائيل، وامتنعت عن التصويت 10 دول. و قرار الجمعية العامة، مثل قرار محكمة العدل الدولية، غير ملزم (لإسرائيل وغيرها)، غير أنّ أهمية القيمة الرمزية والمعنوية للقرارين قد تكون في أساس حل الدولتين، كون الواقع الراهن، يثبت أن تعايش الدولتين لا يحميه جدار بل اتفاق سلام يوفر لطرفيه حقوقهما المشروعة، وينهي خصومة تاريخية، تدفع المنطقة كلفة أعبائها دماراً وأرواحاً.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us