من لا يريد الرئيس أوّلاً؟


خاص 12 كانون الثاني, 2024

لا يجد السياسيون العاجزون عن إيجاد باب لإخراج البلاد من سلطة الخواء السياسي المفتعل، سوى ترديد جملة ممجوجة لادّعاء براءتهم: لا خروج من نفق التيه السياسي سوى بانتخاب رئيس للبلاد


كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:

“تستغشم” الطبقة السياسية، أو جلّها، الرأي العام اللبناني، وتمتحن وعيه السياسي، كلما التقى منها اثنان أو أكثر، وخرج من بينهم من “يتصدى” لمهمة الردّ على تساؤلات الرأي العام، والصحافة، عن تعقيدات الأزمة التي حلت بلبنان مع 31 تشرين الأول 2022، يوم بات ميشال عون “الرئيس السابق” وليس فخامة الرئيس، وهو الذي “أدمن” سماع كلمة السابق ملحقة بعبارة “قائد الجيش ورئيس الحكومة العسكرية”.
وكما تفرّد بالصفات المذكورة انفرد بكونه أول مسؤول سياسي يدفع بلده، وبإرادة جلية، إلى السقوط في درب جلجلة دستورية يعرف اللبنانيون أنه أرادها، وفتح لها باب الإمساك بتلابيب البلد، وبوعيه لمخاطرها، حين سئل قبيل مغادرته القصر الرئاسي: إلى أين يتّجه البلد بعد انتهاء ولايتك؟ فأجاب: إلى جهنم.
فتح عون الباب إلى جهنم بتوقيعه مرسوم اعتبار حكومة تصريف الأعمال مستقيلة، ولاقاه حليفه الحزب المسلح بالإصرار على تعطيل جلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إن لم يكن المرشح الموالي لهما ليُدخل البلاد في مأزق فريد دستورياً، فلا انتخاب رئيس، والحكومة المستقيلة مهمتها تصريف أعمال وشؤون الإدارة العامة، ولا تملك الشرعية التي ينص الدستور على أن تمارسها في حال خلوّ سدة الرئاسة، لأنها عُطّلت بتوقيعه قبول استقالتها، فباتت البلاد على حافة التداعي، وبرغم أنّ لبنان لم يسبق، بعد اتفاق “الطائف”، أن أنجز الاستحقاق الرئاسي في موعده، بل شهد إما تمديداً أو شغوراً، لكنها المرة الأولى التي يدخل فيها الشغور بتعمّد رئيس الجمهورية إصدار مرسوم استقالة الحكومة، لتصبح بحكم غير الموجودة، في سابقة خطيرة، تتراكم في ظلها الأزمات، والتفسيرات السياسية المتناقضة، بحيث يتحول الدستور إلى وجهة نظر سياسية، لا سيما أنّ النص الدستوري يقول، في المادة 62 منه أنه “عند خلوّ سدة الرئاسة، تناط صلاحيات الرئاسة وكالة بمجلس الوزراء”.
لم يتناول الدستور إشكالية الحكومة المستقيلة وتعايشها مع الفراغ الرئاسي، فيما أفرزت الإنتخابات مجلس نواب جديداً سِمته التعطيل لأنّه بلا أكثرية ولا أقلية واضحة قادرة على صياغة الحكم.
في ظلال هذه اللوحة السياسية السوريالية، لا يجد السياسيون العاجزون عن إيجاد باب لإخراج البلاد من سلطة الخواء السياسي المفتعل، سوى ترديد جملة ممجوجة لادّعاء براءتهم من جعل البلد “لا معلق ولا مطلّق” على ما يقول المثل الشعبي، ولأنّ أفضل وسيلة دفاع هي الهجوم، يردّد جميعهم، بما يشبه الإجماع، أن لا خروج من نفق التيه السياسي سوى بانتخاب رئيس للبلاد، يستوي في تكرار هذه “الفكرة العبقرية”، أهل السياسة ممن يؤيّدون سليمان فرنجية، وهم حين يدلون بدلوهم في الموضوع يحاولون الإيحاء بأنّ الخصم يستجرّ تدخلاً دولياً إن بقي على تبادل العناد، علماً أنّ الحلّ الفعلي هو في تنفيذ النص الدستوري، أي تأمين النصاب النيابي للإنتخاب، ووقف تهريبه والصمت على تفاقم أزمات البلاد، وخواء مؤسسات الدولة، وتعزيز الفساد بكل وجوهه، وتمادي النهب في كل مجال.
يزيد الأوضاع تعقيداً تصلّب «حزب الله» في موقفه، وغياب الاتفاق مسيحياً على أيّ مرشح، وجاءت حرب غزة لتزيد تسليط الضوء على خطورة استمرار الوضع، وهو ما تطّرق إليه الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان بالقول إنّ “البلد بلا رئيس للجمهورية وحكومته تُصرّف الأعمال ولا يُمكنها القيام بأكثر من ذلك، وثمة حالة شلل يجب الخروج منها، إضافة إلى المأزق الأمني الذي نلاحظه مع خطر احتمال اندلاع حرب مدمرة في جنوب لبنان”.
أضاف: “الأزمة الحالية تستوجب المعالجة الطارئة لموضوع الانتخابات الرئاسية، لأنه في وقت من الأوقات ستكون هناك مفاوضات ويستحسن أن تكون هناك سلطة لبنانية لتحاور باسم الفرقاء كافة وإلّا، فلن يعود لبنان مُقرّراً لمصيره بل سيخضع له”. وعن دور فرنسا في الملف الرئاسي اللبناني، أكد لودريان أنّ “دور فرنسا هو تمكين اللبنانيين من إيجاد مرشح توافقي وعلى المسؤولين اللبنانيين الاتفاق على اسم للرئاسة، وبعد التحدث مع الفرقاء تبين أنّ أيًّا من المرشحين المحتملين ليس بإمكانه جمع ما يكفي من الأصوات.
نقص الأصوات لا يماري حقيقة فعلية هي مصالح قوى إقليمية وعالمية ودورها وغاياتها من عرقلة الوصول إلى انتخاب رئيس إلى أن تتحقق أطماعها السياسية التي تتخطى لبنان، وتجعل منه ورقة مقايضة تموّهها عناوين رنانة من صدامات التقاطعات الدولية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us