الحوثيون والفخ الذي وقعت فيه إيران


خاص 20 كانون الثاني, 2024

ما قام به الحوثيون قد خربط الحسابات الإيرانية وورّط طهران في مواجهة مباشرة مع واشنطن سياسية وربما عسكرية


كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:

يبدو أنّ إيران تسعى بكل الوسائل لتجنّب الحرب مع الولايات المتحدة، وهذا لا يعني طبعاً أنّ واشنطن تريد الحرب، ولكنّ الأمور بدأت تخرج عن السيطرة وأخذ السحر ينقلب على الساحر. تكمن المشكلة في أنّ إيران تحرك أذرعها الميليشياوية المنتشرة في كل دول المنطقة وتدفعها إلى افتعال الأزمات وتأجيج الصراعات التي تهدف إلى زرع الفتنة والتقسيم، وتحديداً إلى خلق بدائل للسلطات القائمة كما يحصل في لبنان والعراق واليمن وحتى في فلسطين، أو ارتهان السلطات القائمة مثلما يحصل في سوريا التي أصبحت عملياً محمية إيرانية عبر تحويل الحاكم فيها إلى مجرد دمية في يد طهران. الأساليب كثيرة ومتعددة تبدأ بدعم وتسليح هذه الأذرع ومن ثم تعمل على إدخالها وجعلها جزءاً من السلطة القائمة ما يؤمن لها غطاءً رسمياً ويُتيح لها حرية الحركة والتأثير على خيارات الدولة وإجبار السلطات القائمة على تبني مواقفها والدفاع عنها في بعض الأحيان، ويدفع كثيراً من مواطني هذه الدول إلى التماهي مع سياسة ومواقف هذه الميليشيات. وتركز إيران في هذه السياسة على خلق مناخ من الانقسام الفئوي والطائفي كما يحصل في لبنان وسوريا والعراق.
وقد دفعت طهران مؤخراً إلى “توحيد الساحات” أي إلى دفع أذرعها الميليشياوية إلى التضامن والتنسيق فيما بينها عبر توحيد الجبهات كما حاولت عند اندلاع حرب غزة ولكنها عملياً دفعت “حماس” إلى خوض معركة إنتحارية ضد إسرائيل في غزة فيما يحاول “حزب الله” إغراق لبنان في أوحال هذه المعركة بحجة المشاركة في المواجهة بدل تحييده عن الصراع والعمل على الحفاظ على وحدته الداخلية وتنوعه لأن مثل هذه المعارك تودي إلى شرخ داخلي عميق وتحول لبنان إلى ساحة صراع إقليمي. كذلك يحصل في العراق حيث تم تفريخ التنظيمات الشيعية وضمها تحت مظلة “الحشد الشعبي” الذي أصبح جزءاً من السلطة ومن القيادة المسلحة بعد أن تحولت إلى ميليشيات ذات ولاء إيراني تقوم بدور “الضابط الإيراني” الذي يمارس الدور الاستفزازي بإطلاق الصواريخ على قوات التحالف الدولي وتحديداً القوات الأميركية. ناهيك عما يحصل على الساحة الفلسطينية التي حاولت طهران استغلالها وتوظيفها لصالحها عبر إعلانها أنّ حرب غزة هي “انتقام من اغتيال قاسم سليماني” واضطرت للتراجع عنها بعد موجة الغضب التي اجتاحت الشارع الفلسطيني والعربي. لكنها أكدت توظيفها واستخدامها للقضية الفلسطينية رغم أن من قام باغتياله هو ترامب الإمبريالي. علماً أنّ كل ما تقوم به هذه الميليشيات بقرار إيراني كانت طهران تسارع فوراً إلى التنكر له محاباة للإدارة الأميركية. غير أن ما قام به الحوثيون قد خربط الحسابات الإيرانية وورط طهران في مواجهة مباشرة مع واشنطن سياسية وربما عسكرية، فعمليّة شنّ الحوثيين الحرب على البواخر ونافلات النفط التجارية في البحر الأحمر كانت “ذكية” فلسطينياً وعربياً إذ إنها ساهمت في تقريب الحوثيين من الوجدان العربي وأثارت بعضاً من التعاطف معهم واعتقدوا أنهم سيشكلون نوعاً من الإجماع حول دورهم بعد أن تحولوا إلى أداة إيرانية بحتة يحركها “حزب الله”، واتخذوا من حسن نصرالله نموذجاً يقلده زعيمهم عبد الملك الحوثي في خطاباته. غير أنّ هذه الخطوة التي حاولوا من خلالها إظهار دعمهم للفلسطينيين كشفتهم في مواجهة مع إنكلترا واميركا الذين كانوا غير مهتمين وينظرون إلى دور الحوثيين كمجرد عنصر توازن داخلي يمني وعامل إزعاج تحركه إيران لإزعاج السعودية، ويعمل “حزب الله” اللبناني على تنظيمهم وتدريبهم. غير أن هذه الخطوة قد “فتحت العين” عليهم ونبهت واشنطن إلى خطرهم الفعلي في المنطقة، ومنه إلى طهران التي لم تعد محصنة في المنطقة مع انكشاف
وفشل دورها الاستفزازي، وبدأ الضغط المباشر عليها من خلال تأديب الحوثيين ومحاصرتهم وتعرضهم للقصف ما جرّها إلى الوقوع في الفخ الأميركي التي حاولت وتحاول تجنبه من خلال كل الرسائل التي تبادلتها عبر وسطاء مع واشنطن، والأخيرة تلقتها مباشرة من الرئيس بايدن، والتي تهدف إلى ضبطها وتجنب الحرب. وهذا الضغط دفع إيران إلى محاولة تخفيف الاحتقان عبر البحث عن معارك جانبية ارتدت عليها مثل الهجوم الذي شنته على باكستان بحجة انها تأوي إرهابيين. ولكن إسلام آباد لم تفعل كالعرب بل ردت على الفور بهجوم مماثل داخل إيران التي تعرضت قبل ذلك لهجوم على جمهرة من الناس حضرت إلى مقام سليماني للاحتفال بذكرى اغتياله وذهب ضحيته أكثر من مية قتيل، كما لم يرد “حزب الله” على اغتيال القيادي في “حماس” صالح العاروري في عقر داره. ومسك الختام هذا الاتحاد الأوروبي يتهم إسرائيل بأنها سلحت “حماس” وموّلتها بهدف إضعاف السلطة الفلسطينية وتقويض حل الدولتين!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar