“الحزب” يخشى الحرب و”انفجار” الطوائف


خاص 1 شباط, 2024

سيتجنب “الحزب” تعريض المعادلة الداخلية الحالية لأي خطر بمغامرة تأتي من الجنوب. فهو يدرك أنّ الضربة الواسعة للبنان، من شأنها أن تدمر قدرات “الحزب” والبلد الذي يسيطر عليه ويديره

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

بأي ثمن، لا يريد “حزب الله” فتح حرب لا هوادة فيها مع إسرائيل. وهذا الحرص لا يعود حصراً إلى خوفه من حجم الخسائر العسكرية والمادية والبشرية المتوقعة في صفوفه وفي بيئته الشيعية الرافضة للحرب، بل يتعلق خصوصاً بالخوف من التداعيات السياسية والطائفية المتوقعة في الداخل اللبناني.
لقد قاتل “حزب الله” منذ انسحاب القوات السورية في العام 2005، وبكل الوسائل، ليصبح صاحب القرار الأول في السلطة. ونجح في تحقيق هذا الهدف تدريجاً، في ظل ارتباك الساحات السياسية في الطوائف الأخرى:
المسيحيون مشرذمون ويتعرضون لأنماط من الضغوط، السنّة ضائعون في غياب تيار “المستقبل”، والدروز يبحثون عن خيار يحميهم. وهذا “الستاتيكو” يريح “الحزب”، ويجعل “الثنائي” الشيعي هو الأقوى في الدولة وعلى الأرض.
ولذلك، سيتجنب “حزب الله”، في أي شكل، تعريض المعادلة الداخلية الحالية لأي خطر، بمغامرة تأتي من الجنوب. وهو يدرك أنّ الضربة الواسعة للبنان، بالحجم الذي يهدد به بنيامين نتنياهو وأركانه، من شأنها أن تدمر قدرات “الحزب” والبلد الذي يسيطر عليه ويديره. فيتلاشى هذا البناء ويسقط تماماً. وأساساً هو منهار ومفكك، ومؤسساته في وضعية الشلل والفراغ.
وفي تقدير البعض أنّ ذلك، إذا حصل، وسقط البناء بكامله، سيؤدي إلى خسارة “الحزب” كل ما جاهد لبنائه على مدى سنوات. ولهذا السبب، هو يتعاطى مع وضع الحدود الجنوبية حالياً باعتباره مسألة ظرفية يمكن معالجتها عبر الوسطاء، ولا يجوز أن تتفاقم وتتسبب بحرب واسعة.
وهذا أيضاً موقف طهران التي سبق لها أن أعلنت على لسان مرشد الثورة علي خامنيئي، أنها تمتلك القرار في 4 عواصم عربية، بينها بيروت. ومن البديهي أن تكون إيران حريصة على الاحتفاظ بموقعها البالغ الأهمية استراتيجياً على شاطئ المتوسط وحدود إسرائيل.
على مدى سنوات، واجه “الحزب” خصومه في كل الطوائف. وأحبط الانتفاضات الشعبية والمعادلات الجديدة التي أفرزتها الانتخابات النيابية، ومنع وصول أي رئيس للجمهورية أو رئيس للحكومة لا يرضيانه، وأما المؤسساتت فباتت بمعظمها تحت رعايته. وحتى اللجنة الخماسية، في مساعيها الحالية إلى حل أزمة الانتخابات الرئاسية، هي تتعاطى مع المرجعيات الرسمية في الشكل، لكنها في العمق لا تفاوض إلا “الحزب”.
فالرئيس نبيه بري هو أحد ركنَي “الثنائي”، والرئيس نجيب ميقاتي يلتزم في المفاوضات موقف “الحزب” بلا تغيير، ويربط وضع لبنان بغزة. وفي المقابل، يختفي تماماً حضور المفاوض المسيحي على مستوى رئاسة الجمهورية، علماً أن دستور الطائف أبقى لهذا الموقع وحده حصرية المفاوضة في المعاهدات الدولية، على رغم ما قلصه من صلاحيات. وفي الواقع، هناك شكوى في البيئات الطوائفية الأخرى بالاستضعاف. ويرى البعض أنّ هذا الواقع لا يؤسس لاستقرار سياسي واقتصادي واجتماعي.
ففي البيئة المسيحية، وعلى رغم أنّ في السياسة مَن يجد مصلحة في قبول بعض خيارات “الحزب”، فمن الواضح أن المزاج المسيحي عموماً يميل إلى الاعتقاد بأن “الحزب” لا يولي اهتماماً كافياً بانتخاب رئيس للجمهورية حالياً، وأنه يريد الرئيس مناسباً لمصالحه ولو رفضه المسيحيون.
كما أن “الحزب” يتحمل المسؤولية عن زج البلد في الحرب رغماً عن إرادة الآخرين. ووفق هؤلاء، يتولى “الحزب” مواجهة المزاج المسيحي باستخدام سلاح التخوين غالباً، كما يفعل اليوم رداً على المواقف الأخيرة للبطريرك الراعي.
وهذه النقمة في الأوساط المسيحية توازيها نقمة أخرى سنّية. فهناك شعور يتنامى داخل الطائفة بأنها خسرت الكثير من موقعها ودورها في السلطة لمصلحة “الثنائي”، وأنها تعرضت للتصحُّر السياسي عندما دفعت ثمن الأزمة بخروج الرئيس سعد الحريري وتياره من الحياة السياسية والسلطة، حتى إشعار آخر.
وفي رأي البعض، بلغ الاحتقان في البيئات المسيحية والسنية والدرزية مستويات متقدمة في الفترة الأخيرة، وقد ينفجر في أي لحظة. وقد تكون الضربة الإسرائيلية الشاملة والواسعة هي اللحظة التي ستتسبب بهذا الانفجار، لأن الجميع سيحمل “حزب الله” مسؤولية التدمير المريع الذي سيصيب لبنان، والذي سيجعله عاجزاً عن النهوض لفترة طويلة جداً.
ويعرف “الحزب” نفسه أنه إذا تسبب اليوم بحرب إسرائيلية مدمرة، فإنها لن تكون كحرب تموز 2006 في نتائجها، بسبب واقع الانهيار الذي يعيشه البلد أساساً، ووضعية التفكك والفراغ في المؤسسات، والاحتقان الذي يعتمل داخل غالبية البيئات في الطوائف الأخرى.
وفي كل يوم، لا يتوانى المسؤولون الإسرائيليون عن التهديد بضرب “الحزب” وكوادره وقادته بالقوة التي يستخدمونها ضد “حماس”، ويلوّحون بتحويل بعض مناطق لبنان أرضاً غير صالحة للعيش كما هي بعض مناطق غزة. ولكن، طبعاً، ضربة لبنان ليست نزهة كما يوحي هؤلاء. فـ”الحزب” يمتلك قدرات عسكرية وهامش تموين وتحرك أكبر بكثير من “حماس”. وهو يستطيع أذيّة إسرائيل بالصواريخ والمسيرات من حدودها الشمالية إلى ما بعد بعد حيفا، كما هدد السيد حسن نصرالله ذات يوم.
ولكن، إذا وقعت هذه الحرب المفتوحة، فسيكون الدمار السياسي والاجتماعي في لبنان أكبر من دمار المدن والقرى. وهذه الحرب قد تنهي لبنان الحالي الذي يقف فيه “حزب الله” على رأس هرم السلطة. وهذا الأمر يدركه “الحزب” ويضعه في مقدمة حساباته قبل اتخاذ أي قرار.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us