… وبالناقص رئيس الجمهورية!


خاص 15 شباط, 2024
الجمهورية

على رغم مطالبة الكثيرين بانتخاب رئيس للجمهورية، لا يبدو “الحزب” مستعجلاً. فالدولة باقية بلا رأس، “وبالناقص” موقع إضافي يمكن أن يتسبب بوجع الرأس، ما دامت حكومة التصريف كافية ووافية لأداء الغرض


كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

في المفاوضات غير المباشرة الجارية اليوم على خط لبنان- إسرائيل، ظهر مجدداً أن مَن يفاوض عن لبنان، في الشكل هو سلطته المركزية. ولكن في المضمون، “حزب الله” هو المفاوض الفعلي والوحيد.
سبق أن جرى هذا الأمر في المفاوضات لترسيم الحدود البحرية، خريف العام 2022، عندما حصل المفاوض الرسمي على ضوء أخضر من “الحزب”، للتخلي لإسرائيل عن بقعة واسعة من المياه كان يعتبرها حقاً لبنانياً، مدعوماً بالخرائط والدراسات الهندسية، فتراجع من النقطة 29 إلى النقطة 23. وهذه البقعة، لو لم يوافق “الحزب” على التنازل عنها، لكان اعتبرها بمثابة “مزارع شبعا” أخرى في البحر، يستحق المسّ بها إشعال حرب.
في تلك المفاوضات، كان الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين يجتمع بأركان الدولة ويستمع إليهم، لكن هؤلاء لم يفعلوا في الواقع سوى نقل الرسائل من “الحزب” وإليه. فالأميركيون، بسلوكهم البراغماتي، ذهبوا إلى الهدف مباشرة، فتفاهموا مع “حزب الله” باعتباره الوحيد القادر على التعطيل أو التنفيذ.
خلال تلك الفترة، تصرَّف “الحزب” ببراعة ليتمكن من الاستمرار في إدارة الدولة “من دون مشاكل”. ولذلك، في الأسابيع الأخيرة من الولاية، سمح للرئيس ميشال عون بأن يرفع الراية في ملف التفاوض، بعدما أبقاه لسنوات بين يدي شريكه في “الثنائي” الرئيس نبيه بري.
فقد كارَمَ “الحزب” حليفَه الماروني بمنحه الشعور بممارسة صلاحياته الدستورية في إدارة المفاوضات وإبرام المعاهدات الدولية، كرئيس للجمهورية. وفي النهاية، تباهى عون بأنه هو الذي جعل لبنان بلداً نفطياً. ولكن، بعد الاحتفال بأيام قليلة، خرج من بعبدا ولم يعد، لا هو ولا سواه، تاركاً صلاحياته لحكومة تصريف الأعمال.
لا بد من ملاحظة هنا. فخلال مفاوضات الترسيم البحري، كان المفاوضون من الجانب اللبناني يطرحون أفكاراً عدة متباينة، وقد انتظرهم هوكشتاين ليغربلوها قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الإسرائيليين، فاختاروا الفكرة التي طرحها “الحزب”.
وأما في المفاوضات الحالية، فتم اختصار الطريق. ولم يعد هناك تعدد للأفكار. و”الحزب” وحده هو الذي يتلقى الرسائل من الأميركيين والأوروبيين مباشرة ويرد عليها. وأما أركان الدولة (رئيسا الحكومة والمجلس ووزير الخارجية) فيقومون بدور ساعي البريد. وعند الحاجة، رئيس الحكومة ووزير الخارجية اكتفيا بالنطق بلسان “الحزب”.
طبعاً، من البديهي أن يكون للبنان صوت واحد لا أصوات متعددة في المفاوضات مع إسرائيل. لكن المفارقة هي أن الدولة قطعت أنفاسها وتبنت طروحات “الحزب” بالكامل، فيما لم يجد “الحزب” نفسه مضطراً إلى مناقشة أي أمر مع أيٍّ كان في الداخل. وبالتأكيد، عندما سيقرر إبرام أي اتفاق مع إسرائيل، أياً كان مضمونه وتوقيته، فالدولة ستتبناه تلقائياً.
إذاً، الخط البياني الذي يسلكه “حزب الله” في طريقه إلى الإمساك بالسلطة ما زال يتطور منذ العام 2005. وقد شهد محطتين أساسيتين: في العام 2011 عندما نجح في ترجيح الكفة لمصلحته داخل السلطة. وفي العام 2019 عندما دخل مرحلة الحسم، وصار متفرداً بالقرار المركزي.
وثمة من يقول إنّ “الحزب” وصل اليوم إلى الهدف الذي قاتل طويلاً لبلوغه، وإن الأصوات المعارضة له باتت عاجزة عن وقف تمدد سلطته. وأبرز الأدلة إلى ذلك، في السنوات الأربع الأخيرة، هي الآتية:
– النجاح في تعطيل ثورة 17 تشرين الأول 2019.
– إضاعة أي تأثير سياسي محتمل لانفجار المرفأ في 4 آب 2020.
– إحباط نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في العام 2022 وأوصلت أصواتاً تغييرية ومعارِضة. فسلوك المجلس اليوم لم يتغير إطلاقاً عما كان قبل الانتخابات الأخيرة، ولا طبيعة عمله ولا قدراته.
في خطابه السياسي، بقي “حزب الله” طويلاً يطرح عقد مؤتمر تأسيسي يمنحه هامشاً واسعاً من السلطة، كشرط لإنهاء الأزمة. لكنه اليوم وصل إلى وضعية التحكم بالجمهورية وما فيها، من دون الحاجة إلى عقد هذا المؤتمر ودفع أكلافه المحتملة و”تسويد الوجه” مع الأحزاب والطوائف.
ويوماً بعد يوم، يتعمق تعطيل الدستور وتَفرغ المؤسسات والأجهزة والمواقع، ويتم تسيير البلد بقوة الأمر الواقع لا بقوة المؤسسات والدستور.
ولذلك، وعلى رغم مطالبة الكثيرين بانتخاب رئيس للجمهورية، لا يبدو “حزب الله” مستعجلاً. فالدولة باقية بلا رأس، “وبالناقص” موقع إضافي يمكن أن يتسبب بوجع الرأس، ما دامت حكومة التصريف كافية ووافية لأداء الغرض، وما دام الجميع يعتاد “التطبيع” مع الأمر الواقع، وسيعتاد حتى إشعار آخر.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us