“دولة الجنوب” تطيح الدولة اللبنانية


خاص 23 أيار, 2024

ماذا سيبقى من الدولة اللبنانية المفلسة، وكيف ستنجو من الاهتراء والانهيار المحتمين، إذا طالت الحرب شهوراً أخرى أو سنوات، ما دام أحد من الداعمين العرب والأجانب ليس مستعداً لدعمها بدولار واحد، لأنها تنكرت طويلاً لمطالب الإصلاح، وجنت بنفسها على نفسها؟

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

لا يذيع وليد جنبلاط سرّاً عندما يقول إنّ الحرب في غزة ستستغرق سنوات، ومعها حرب الجنوب. فالكلام الجدّي في الأقنية الدولية يؤكد أنّ الإسرائيليين، سواء مع بنيامين نتنياهو أو من سيخلفه، لن ينهوا الحرب في غزة قبل أن يحوّلوها إلى ضفة غربية أخرى، ولو استغرق تحقيق هذا الهدف سنوات. وهذا ما أكده نتنياهو نفسه صراحةً قبل فترة.

بناء على ذلك، يصبح بديهياً طرح السؤال في لبنان: ماذا سيفعل “حزب الله” في هذه الحال؟ هل سيستمر في حرب “المشاغلة” شهوراً أخرى وسنوات، أم يتدارك الخسائر الهائلة التي تصيبه وتدفع بالبلد إلى المزيد من الاهتراء، وينسحب من “وحدة الساحات” التي تفرضها إيران وتقودها؟
يوحي مسؤولو “الحزب” وقادة النظام في طهران أن لا مجال لتغيير “الستاتيكو” القائم حالياً في الجنوب ما دامت حرب غزة مستمرة. فطهران يستحيل عليها الانصياع لمطالب إسرائيل والوسطاء الدوليين، وتعطيل دور “الحزب” جنوباً. ولها مصلحة في إثبات قدراتها العسكرية هناك، لإفهام إسرائيل أنها باتت على تماس عسكري معها، في حدودها الشمالية. وفوق ذلك، ليس لإيران حالياً حليف آخر، بديل لـ”الحزب”، يستطيع الاضطلاع بمهمة تخفيف الضغط عن “حماس” في غزة.

ففي اليمن، هامش المناورة عند الحوثيين بات محدوداً نتيجة ضربات واشنطن وتحذيراتها المتلاحقة. وفي العراق، قرار جامع واضح بعدم الدخول في مغامرة لا مع إسرائيل ولا مع الأميركيين. وأما في سوريا، فالأسد يتجنب أي احتكاك مع إسرائيل على رغم الضربات التي تنفذها في الداخل السوري منذ سنوات، هو أيضاً ينأى بنفسه تماماً عن دعم “حماس”، أي “الإخوان المسلمين”، منذ اللحظة الأولى لحرب غزة، ولو كانوا يقاتلون إسرائيل.

في أي حال، على مدى الشهرين المقبلين، سينهمك الإيرانيون بانتخاباتهم الرئاسية وتأمين الترتيبات الكفيلة بإعادة ماكينة السلطة إلى دورتها الروتينية، بعد مقتل اثنين من كبار أركان النظام هما رئيسهم ابراهيم رئيسي ووزير خارجيتهم حسين أمير عبداللهيان. وفي غضون هذه الفترة، لن يتخذوا قرارات خارجية ذات شأن، ولا سيما في ما يتعلق بالحرب في غزة وجنوب لبنان. ويعني ذلك بالتأكيد أن لا مجال في الأسابيع القليلة المقبلة لإنهاء وضعية “المشاغلة” وإنتاج تسوية في الجنوب يمكن أن تسري مفاعيلها على الداخل اللبناني. وعلى العكس، من المحتمل أن تتحول “المشاغلة” حرباً واسعة، إذا ارتأت إسرائيل أن ذلك يناسبها.

يقول ديبلوماسي غربي إنّ الجنوب اللبناني مرهون اليوم بمعادلة دقيقة هي الآتية: خيار التسوية موجود حصراً في يد إيران، وخيار الحرب الكبرى موجود حصراً في يد إسرائيل. فلا إيران قادرة على تحمل تبعات الحرب الكبرى، ولا إسرائيل قادرة على فرض التسوية التي تريدها. وبين هذه وتلك، مكتوبٌ للجنوب أن يدور في “ستاتيكو” “المشاغلة” التي يمكن اعتبارها “نصف حرب”.

يضيف الديبلوماسي: يمكن أن يتحمل لبنان “نصف الحرب” هذه لفترة قصيرة، لكنه سينهار إذا اضطر إلى تحملها لفترة طويلة، أو إذا انفجرت الحرب الكبرى، ولو دامت فترة قصيرة.

الخطر يكمن في أن لبنان وضع نفسه بنفسه أمام حتمية الدخول في “نصف الحرب” لفترة طويلة، تاركاً الباب مفتوحاً لاحتمال الدخول في حرب كبرى لا يمكن تقدير حدودها ومداها الزمني، أي أنه وضع نفسه أمام خطر الانهيار في أي حال.

وكل التحركات التي يجريها الوسيطان الأميركي والفرنسي لوقف الحرب في الجنوب، وما يواكبها من جهود تبذلها اللجنة الخماسية لإيجاد تسوية سياسية في الداخل، ستراوح مكانها، ولو اكتملت كل عناصر التسوية نظرياً. فالقرار بوقف الحرب والتسوية موجود في إيران، وهي لن تفرج عنه إلا إذا اقتضت مصالحها الإقليمية ذلك.

يعني ذلك، في تقدير الديبلوماسي، أن الدولة اللبنانية مهددة فعلاً بالسقوط التام، ما دامت “دولة الجنوب” تتحكم بمصيرها. فعلى مدى 7 أشهر من القتال في الجنوب، يسجّل العدّاد حجماً هائلاً من الضحايا يومياً، مدنيين ومقاتلين، ومن المنازل المهدمة أو المتضررة. وستكون المنطقة الحدودية بحاجة إلى مشروع إعادة إعمار بعد الحرب، يستلزم من الدولة المفلسة تمويلاً بمليارات الدولارات، فيما هي تبذل كل جهد لتتسول 3 مليارات عبر صندوق النقد الدولي.

لكن ما لا يسجله العدّاد اليومي هو خسائر لبنان كدولة نتيجة “نصف الحرب” في الجنوب. فحتى اليوم، يقدر الخبراء مقدار الخسائر غير المباشرة التي تكبدها لبنان بـ4 مليارات دولار. وفي الإجمال، يعتقد هؤلاء الخبراء أنّ الحجم الإجمالي للخسائر المباشرة وغير المباشرة معاً يقارب المليار دولار شهرياً أي 12 ملياراً سنوياً.

وهذا يدفع إلى السؤال: ماذا سيبقى من الدولة اللبنانية المفلسة، وكيف ستنجو من الاهتراء والانهيار المحتمين، إذا طالت الحرب شهوراً أخرى أو سنوات، ما دام أحد من الداعمين العرب والأجانب ليس مستعداً لدعمها بدولار واحد، لأنها تنكرت طويلاً لمطالب الإصلاح، وجنت بنفسها على نفسها؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us