مصرف لبنان يمدد دفعات 158 و166 لشهر أخير: ماذا بعد نهاية الحلول المؤقتة؟

القرارات التي يتخذها مصرف لبنان قد تكون ضرورية في الوقت الراهن لتخفيف وطأة الأزمة على المودعين، لكن غياب الحلول الجذرية في إدارة الأزمة المصرفية، إلى جانب تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية، يجعل من الصعب رؤية أفق واضح للخروج من هذه الدوامة
كتب أنطوان سعادة لـ” هنا لبنان”:
يستمر مصرف لبنان في اتخاذ خطوات مؤقتة لتلبية احتياجات المودعين في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالبلاد. وفي إطار هذه الإجراءات، أعلن المصرف عن استمراره في صرف دفعتين للمودعين مع بداية العام الجديد، من خلال التعميمين 158 و166، اللذين اعتمدهما منذ أشهر عدة. ورغم استمرار هذه الدفعات، أكد المصرف أنّ هذه ستكون الدفعة الأخيرة، وأنها ستقتصر على شهر كانون الثاني فقط، وفقًا لما أفادت به مصادر من داخل المصرف لـ”هنا لبنان”. لكن السؤال الأهم يبقى: ما الذي سيحدث بعد هذه الدفعة الأخيرة؟ وكيف سيواجه المصرف المركزي التحديات المالية والاقتصادية التي تكبل قدراته؟
اجتماع المجلس المركزي: قرارات صعبة في ظل الأزمة
اتخذ المجلس المركزي لمصرف لبنان هذا القرار بعد اجتماع طويل يوم الثلاثاء الماضي، حيث كان أمام المجلس خياران رئيسيان: الأول هو الاستمرار في منح دفعتين إضافيتين للمودعين كما حدث في الأشهر السابقة، وهو خيار يضمن استمرار صرف المبالغ المقررة للمودعين وفق التعميمين 158 و166، لكن في الوقت نفسه يخلق تحديات إضافية للمصرف في ظل استمرار نقص السيولة. أما الخيار الثاني فكان يتمثل في رفع سقف السحوبات الشهرية، ما يعني أن المودعين الذين كانوا يحصلون على 150 دولارًا شهريًا يمكنهم سحب 200 أو 250 دولارًا، وهو ما سيساهم في تلبية احتياجاتهم المالية بشكل أكبر.
لكن هذا الخيار أيضًا كان يثير تساؤلات حول قدرة المصرف المركزي والمصارف على تحمل مثل هذه الزيادة في السحوبات، خصوصاً في ظل الوضع الحالي الذي تعاني منه من شح حاد في السيولة. وبالنظر إلى الوضع الاقتصادي المتدهور، قد يكون من غير الممكن تقديم هذه الزيادة في السحوبات دون أن تتعرض المصارف لمزيد من الضغوطات المالية.
الأزمة الاقتصادية ومحدودية قدرة مصرف لبنان
منذ بداية الأزمة المالية في لبنان، عمل مصرف لبنان على تقديم مجموعة من التدابير والإجراءات لمساعدة المودعين، وأبرزها التعميم 158 الذي أتاح سحب مبالغ معينة من ودائع المواطنين. وبالفعل، دفع المصرف للمودعين عبر هذا التعميم منذ بدايته نحو 3 مليارات دولار. هذه المبالغ كانت تهدف إلى تخفيف الضغط عن المواطنين الذين يعانون من صعوبة في الوصول إلى ودائعهم نتيجة للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد. ومع ذلك، تبقى هذه المبالغ محدودة، ولا تكفي لمواجهة احتياجات جميع المودعين، خصوصاً بعد حرب مدمرة.
حاول مصرف لبنان قدر المستطاع تلبية احتياجات المودعين، ولكنه يواجه تحديات كبيرة في ظل الظروف الصعبة الناتجة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية المعقدة. فالبلاد تعاني من تدهور مستمر في قدرتها المالية نتيجة لعدة عوامل، أهمها، خسائر الحرب، الأزمة المالية، وفشل الحكومة في معالجة الوضع الاقتصادي بشكل فعال. فهذه العوامل مجتمعة أدت إلى تجميد أرباح مصرف لبنان التي كان يحققها في السنوات السابقة، ما أثر سلبًا على قدرته في توفير السيولة اللازمة للمصارف وللشعب اللبناني.
التحديات المستقبلية وغياب الحلول الجذرية
حتى الآن، لا يزال مصرف لبنان يعمل وفقًا للإجراءات المؤقتة التي اعتاد عليها خلال الأشهر الماضية في ظل غياب الحكومة الحالية. رغم أن المصرف المركزي يسعى دائمًا لتوسيع دائرة المستفيدين من التعميمين 158 و166، فإنه يواجه صعوبة في الوفاء بهذه الوعود بسبب الضغوط الاقتصادية المستمرة.
إنّ القرارات التي يتخذها مصرف لبنان قد تكون ضرورية في الوقت الراهن لتخفيف وطأة الأزمة على المودعين، لكن هذه الإجراءات تبقى مؤقتة ولا تعالج الأسباب الجذرية للأزمة. فغياب الحلول الجذرية والشفافية في إدارة الأزمة المصرفية، إلى جانب تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية، يجعل من الصعب رؤية أفق واضح للخروج من هذه الدوامة. المصرف المركزي بحاجة إلى حلول طويلة الأمد تدعم الاقتصاد الوطني وتعيد بناء الثقة في القطاع المصرفي، وهو ما يتطلب من الحكومة اللبنانية اتخاذ خطوات جدية وفعالة لمعالجة الأزمات التي تمر بها البلاد.