عن السليمانيّة والكرد والأقلّيات والفيدرالية والكونفيدرالية و”ندى”: حين ترفع النساء أصواتهنّ: هذا وجعنا… وهذه توصياتنا

لكلِّ امرأةٍ في منطقتنا همومها، تتشارك فيها مع نساءٍ أخريات، لكنّها قد تختلف معهنّ في الأولويات. نساء السّودان أردنَ إيلاء الأولوية لقضية النساء المهاجرات. نساء فلسطين قلنَ لا شيء يضاهي وجع الفلسطينيين والفلسطينيات لذا القضية الفلسطينية يُفترض أن تبقى أوّلًا. كرديّات أتينَ من السليمانيّة تحدثنَ عن عنادهنَّ في المواجهة والقتال وإدارة الحكم الذاتي بأنفسهنَّ في سوريا. الكلام عن داعش لم يتوقّف. وقصص روتها المشاركات، في نهاراتهنّ، حول عذاباتٍ موثّقةٍ يشيب لها شعر الرأس.
كتبت نوال نصر لـ”هنا لبنان”:
هنا لبنان. وهناك السليمانيّة في إقليم كردستان. وبين هنا وهناك مسافة جوّية تزيد عن 900 كيلومترٍ عبرناها لملاقاة نساءٍ ثُرْنَ على واقعٍ وقرّرنَ الانضواء في تحالفٍ نسائيّ ديمقراطي إقليمي عُرف إيجازًا باسم: “تحالف ندى”. هناك، التقت 18 جنسيةً فتحنَ القلب وتكلّمنَ عن أشياء وأشياء، عن “داعش” والسبايا والفيدرالية والكونفيدرالية وعن القهر والإرغام والتضييق والاضطهاد والاستعباد والتطويع ليصلنَ الى ما بدا خلاصة: الثورة النسائية لا بُدّ منها. فلتثُر النساء على كلّ الجوْر في المنطقة.
الثورة بكلِّ أبعادها جميلة. الحرية أو الموت حكاية الكثيرين والكثيرات. وللمشاركات في تحالف “ندى” مع جذور الحرّية جولات وصولات. عناوين كثيرة عُرضت وطغى الكلام عن الفيدرالية والكونفيدرالية. نعم الفيدرالية الكرديّة بدت في السليمانيّة مثالًا يحتذى به. واللغة الكردية عنونت اليافطات واللوحات الإعلانية في المحافظة. الشوارع مخطّطة منسّقة والشعب الكردي يشعر بحضورٍ افتقده منذ زمن. والزائرات – المشاركات وصلنَ من بغداد والموصل وكركوك وسنجار والبصرة والموصل ودهوك وشطّ العرب والفلوجة… كلّ محافظات العراق شاركت، ونساء من أفغانستان وتونس والمغرب ومِصر والسّودان وسوريا ولبنان وفلسطين وتركيا كنّ هناك… والكلّ تكلّمنَ عن مسائل ظننّاها انتهت: عن نساءٍ يُضطهدنَ ويُبعنَ في سوق النخاسة. ثمّة 2000 امرأة يزيدية تمّ أسرهنّ وبيعهنّ في القرن الواحد والعشرين. وعن مسيحيّات سبايا. قصة الطفلة كريستينا، العراقية السريانية، المأساوية تكرّرت. ثمّة فتيات كبرنَ جدًّا قبل الأوان. يبقينَ مجهولات المصير. يا الله. من بعيد سمعنا عنهنّ لكن أن نسمع عن قرب فذلك أشبه بخنجرٍ ينخر مجدّدًا المتكلّم والمستمع. قضايا النساء في هذه المنطقة تستحقّ لقاءًا مفتوحًا وإن كان موجعاً. هنا نتأكد أنّ الصمت ليس دائمًا أبلغ من الكلام.
وزيرة الهجرة: انكسر ظهرنا
في نطاق جغرافيا الفيدرالية الكردية سألنا عن الأقلّيات المسيحية، عن السريان والأشوريين والكلدان، ماذا عن حالهم اليوم في المعادلة السياسية العراقية؟
أول امرأة استلمت أوّل وزارة للهجرة والمهجرين في العراق عام 2005 كانت باسكال وردة. هي اليوم وزيرة سابقة. إنّها مسيحية ترأس “منظمة حمورابي لحقوق الإنسان”. سألناها عن المسيحيين العراقيين في لبنان وكلّ الشتات. ما هو مصيرهم؟ ماذا تقول للنساء الأشوريات والكلدانيات والسريانيات اللواتي نلتقيهنّ يوميًا في لبنان وينتظرنَ على نار نيلهنّ وعائلاتهنّ تأشيرةً الى بلاد الله الواسعة؟ تجيب بصراحة وبلا مواربة “كلّهم يحاولون الاستيلاء على المقاعد المسيحية في البرلمان، أو يريدون مسيحيين قادرين أن يُسيطروا عليهم. الأحزاب الكبيرة تسعى لتسيطر على الحصّة المسيحية”. وتستطرد: “الهجرة كسرت ظهرنا. الأقلّيات اليوم في فوهة المدفع بعدما كانت العراق منطقة مسالمة. مع العلم أنّنا لا نعتبر أنفسنا أقلّيةً لأننا أصل البلاد ونحن هنا منذ الأزل. كان عددنا قبل داعش مليون ونصف أمّا اليوم فنحن أقلّ من 400 ألف. وثمّة انتهاكات تنذر بتقليص وجودنا أكثر”. تشبك أصابعها وتتابع: “سأخبرك هذه الحادثة. منذ فترة زرت أحد المعامل في بلدة تل أسقف العراقية، بناه أحد المسيحيين بمبلغ يزيد عن 25 مليون دولار، لتصنيع مشروباتٍ كحولية. وحصل على موافقات حكومية لكن، فجأة، بُعيد الافتتاح، صدر قرار منع بيْع الكحول التي ينحصر أصلًا تصنيعها بالمسيحيين واليزيديين. فهل تتصورين ماذا حصل بصاحب المصنع؟ دُمّر. أحد المطاعم الرّاقية في قلب بغداد قصدته البارحة (الأسبوع الماضي) الشرطة وأغلقوه لأنه يبيع مشروبات كحولية ومالكه مسيحي. وبالتّالي من لم يهجَّر في الحرب يُهاجر اليوم. التهجير مستمر والعودة شبه محالة”.
الفيدرالية حلّ
يبدو أن الفيدرالية الكردية نجت بنفسِها من كلّ تلك القرارات “الخنفشارية” والكرد يحكمون حالهم بحالهم. أمّا المسيحيون فيدفعون الثمن يوميًا من اللحم الحي. وعن هؤلاء تقول وزيرة الهجرة والمهاجرين السابقة: “وضع المسيحيين في العراق صعب للغاية لأنّ كل ما يخصّ أعمالهم “ضُرب”. إنّهم يُشعروننا وكأننا علامة زائدة على البلاد. وهم حيارى بنا. لذا، كيف نطالب مَن غادر من المسيحيين العراق بأن يعودوا؟ من هي الجهة القادرة على أن تدعمهم؟ هل يعودون الى الشارع؟ لدينا كعراقيين خيرة الشباب القادرين على تقديم الكثير لبلدهم لكن من يحمي عودتهم؟”. تتابع “طالبت ببناء بيوتٍ للعائدين من المسيحيين فانتفضت إحدى الوزيرات وقالت: سنضعهم مع المهاجرين العائدين من إيران في مجمّعات عسكرية. قلت لها: تريدين أن يعود من يمتلكون كلّ الكفاءات حيث هاجروا ليسكنوا في مجمعات عسكرية؟”.
في اللقاء النسوي، تحدثنا عن كلّ شيء، عن كلّ كلّ شيء. فوجع المرأة ليس ناتجًا عن قضايا خاصّة، بل عن قضايا مجتمع ووطن وأمّة. لذا، كل العناوين حضرت بينهنّ.
باسمة فيلي، من الكرد الشيعة، أو الكرد الفيليين كما يسمّونهم. وهم مثل كلّ الأقليات في ضياع. ماذا عنهم؟ تجيب باسمة وهي رئيسة تحالف المدنيين الأقليات: “نحن قوميتنا كردية ومذهبنا شيعي. نقصد الأكراد فيقولون لنا أنتم شيعة نقصد إيران فتقول لنا أنتم أكراد. وضعنا يستمر بين “حانا” و”مانا”.
تأخذنا القضايا المطروحة في محافظة السليمانيّة الى مآسي الأقلّيات. فلنعد الى القضايا العامة وكم هي متشعّبة. لكلِّ امرأةٍ في منطقتنا همومها، تتشارك فيها مع نساءٍ أخريات، لكنّها قد تختلف معهنّ في الأولويات. نساء السّودان أردنَ إيلاء الأولوية لقضية النساء المهاجرات. نساء فلسطين قلنَ لا شيء يضاهي وجع الفلسطينيين والفلسطينيات لذا القضية الفلسطينية يُفترض أن تبقى: أوّلًا. نساء سوريا تكلمنَ عمّا يحدث في الساحل السوري وطلبنَ إدراجه في التوصيات. امرأة من تونس تكلمت عن فتاوى دينية لم تحمِ النساء… آراء وتعليقات وتعليقات مضادّة وناشطات من إيران وافغانستان وضعنَ أغطيةً على وجوههنّ خوفًا… الأفغانيات عانينَ وما زلنَ.
عناد بالحقّ
المرأة الكردية طيّبة لكن عنيدة. عنادها هذا جعلها تنجح في إدارة الحكم الذاتي في شمال شرقي سوريا. كرديّات أتينَ من هناك، من تلك البقعة الجغرافية السورية، الى السليمانيّة ليشاركنَ. تحدثنَ عن عنادهنَّ في المواجهة والقتال وإدارة الحكم الذاتي بأنفسهنَّ في سوريا. الكلام عن داعش لم يتوقّف. وقصص روتها المشاركات، في نهاراتهنّ، حول عذاباتٍ موثقةٍ يشيب لها شعر الرأس.
عبد الله أوجلان حضر في قلوب الكرديّات وفي عيون وكلمات الكثيرات ممّن لا ينتمين -أصولًا- الى القومية الكردية. زينب مراد، الرئيسة المشتركة للمؤتمر الوطني الكردستاني، تتابع أخبار الأكراد في المنفى، وتراقب التحوّلات في مناطق الأكراد الاربع: تركيا، العراق، إيران وسوريا، وتقول: “التطوّرات فتحت مجالًا أكبر للعمل الدبلوماسي. والكرد خطوا خطواتٍ كبيرةً. حصلنا على إقليمٍ فيدرالي معترفٍ به دستوريًا في كردستان. والكرد في سوريا خطوا خطواتٍ كبيرةً عبر الإدارة الذّاتية. لكن، على الرَّغم من كلّ ما حققناه، هناك تجاوزات تحصل مع الحكومة المركزية لذلك واجبنا أن ندعم بعضَنا للمحافظة على المُكتسبات. حاليًا، نتابع التطوّرات ونعرف أنّ التغييرات في المنطقة سيكون لها تأثير كبير في العراق وتركيا وإيران. نحن نراقب إيران اليوم من دون أن نعرف إلامَ سيؤول إليه الحكم هناك، خصوصًا أن النظام الشمولي الإيراني لا يقبل بوجود أي خصوصيّة لأي مكوّن آخر. أمّا بالنسبة الى الإنجازات التي حققناها في سوريا فنحن واثقون أنّ العودة الى الوراء محالة. نحن نريد ضمان خصوصيتنا أينما حللنا”.
العادات والتقاليد
بأزياءٍ مزركشةٍ جميلةٍ أطلّت النساء. وتكرّرت عبارةٌ من ثلاث كلمات نحو ثلاثمئة مرة في ثلاثة أيام: “Jin – Jan – Azadi” (حرية – حياة – امرأة). هي ثلاثيّة الثورة وأعمدتها. للنساء دورهنّ المُتعاظِم في الثورات. طفلات شاركنَ بالهتاف. إنهنّ جيل الثورة الجديد. الكلّ رقصنَ. شابّات، مسنّات، صغيرات. جميعهنّ شبكنَ الأيدي، بكلِّ تنوعاتهنّ، وقلنَ: “الثورة أنثى”.