في ختام شهر “مريم” والورد والحياة والتجدد: العذراء في قلب لبنان… ماذا عن لبنان في قلب العذراء؟


خاص 30 أيار, 2025

في أيار، في كلِ أيار، تسطع زرقة السماء، ونحيا الشهر المريمي بالقلب والروح والنبض. وهناك، عند قدمي العذراء، نرمي هموماً تزيد غالباً عن قدرتِنا على الإحتمال. نصلي لها لتحمي لبنان، وتحمي من في لبنان، مرتلين: في ظلِ حمايتك نلتجئ يا مريم لا تردي طلبنا عندما ندعوك. ندعوها. نطلب. نطالب. نلحّ. ونذرف الدموع ونصلي بكلِ جوارحنا. هناك، عند قدمي مريم العذراء نرتاح ويمرُّ أيار وتبقى والدة الإله الملجأ في المحن. رحمتها كبيرة لكن همومنا كثيرة كثيرة. فهل نضعف؟ لا، فلنحيا جميعاً مسلمين ومسيحيين، لبنانيين وغير لبنانيين، اللحظة. ولنُصلِّ..

كتبت نوال نصر لـ”هنا لبنان”:

بعيدون عن درعون- حريصا؟ لا يهم. صلوا في أي مكان. العذراء حاضرة في كلِ مكان. صلوا بأيِّ لغة تعرفونها. نادوها تسمعكم. للعذراء مئة لقب بينها: البتول، المكرمة، أمّ الله، والدة الإله، أم النور، أم الخلاص، ينبوع الحياة، حواء الثانية، أميرة البلاد الكبرى… يكفي أن تصلوا لها لترتاحوا. وكم نحن – جميعاً- بحاجة لنرتاح. فما سرّ حضور العذراء الكبير في لبنان؟ هناك من قد يتساءل وهو يشاهد اللبنانيين يتقاطرون إلى سيدة لبنان: ألا يبالغون؟ وهناك، من يقرأ في أرقام الكنائس في لبنان التي هي على اسم العذراء- وعددها يزيد عن 1300- ويتساءل بذهول: هل هو رقم حقيقي؟ نعم، الرقم حقيقي، وهناك 3000 مذبح ومزار أيضاً على اسم العذراء. والسؤال، كيف يتم اختيار أسماء كنائس العذراء ومزاراتها؟ وكيف تمّ انتقاء إسم سيدة البحار وسيدة النورية وسيدة العطايا وسيدة السلام وسيدة النياح وسيدة التعزية وسيدة النجاة وسيدة الزلزلة وسيدة الكرمة وسيدة الحصن وسيدة الرجاء وسيدة الشمس والقمر على سبيل المثال طبعاً لا الحصر؟ وهل صحيح أنه كانت للعذراء عاطفة خاصة للبنان؟

الباحث المتخصص في العلوم الدينية الدكتور جان صدقة يتحدث عن تلك العاطفة الهائلة للبنان وأولاده وأرضه التي تجلت في كلِ مرة زارت فيها السيدة العذراء الجليل الأعلى (أي جنوب لبنان) برفقة إبنها يسوع ويقول “لهذا قابل لبنان عاطفة السيّدة ببناء مقامات لها على امتداد مساحته طلباً للشفاعة والتماساً للحماية. تعبّد اللبنانيون لسيدتهم وتشفعت بلدات عدة في لبنان باسمها. وهكذا كبرت المساحات المريمية في لبنان. وحصّنت البلدات كياناتها بالأبراج التي ارتفعت على اسم السيدة العذراء، مشكلة زنار حماية. وهذه أمثلة: سيدة حريصا وسيدة الحصن في إهدن وأم المراحم في مزيارة وسيدة الحبس في العاقورة وسيدة بسوس وسيدة المطلة في الشوف وسيدة الطريق في ترشيش وسيدة زحلة والبقاع وسيدة دير الأحمر وسيدة عيتنيت وسيدة غدراس وسيدة حراجل وسيدة قوالة وسيدة المنطرة في مغدوشة وسيدة دبل في موقع حازور الأثري وأم النور في عين إبل وأم المراحم في رميش وسيدة حرمون في كوكبا”.

الأمثلة كثيرة. يغوص جان صدقة في الأسماء والأماكن وكلها باسم السيدة العذراء. نعم، لبنان له مناعته. هو في حمى العذراء. في أيار وحزيران وفي الصيف والربيع والشتاء والخريف وفي كلِ آن وأوان. ثقوا بهذا ولا تخافوا.

ماذا عن تماثيل السيدة العذراء في حنايا لبنان؟

التماثيل موجودة. في حريصا يرتفع تمثال سيدة لبنان. ويقول الباحث صدقة “أحد أجمل تماثيل العذراء وأشهرها، تمثال سيدة بشوات، بفستانها الأزرق الغامق المتموج المرصع بالنجوم الذهبية، وعلى رأسها مشلح أسود ينسدل وراء ظهرها، يعلوه تاج مستدير، في وسطه زنار أحمر، وفي يدها صليب عليه المصلوب، وعلى ثغرها إبتسامة”. والمؤمنون- مسلمون ومسيحيون- يقصدون مقام سيدة بشوات- كما تعلمون- من كل الدنيا. والسؤال، لماذا يعترض بعض المؤمنين على وجود تمثال للعذراء؟ سؤال طرحناه على المطران في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية جورج صليبا الذي يعترض على أمرين: تشييد تمثال وتسمية العذراء بأم الله. هو أجرى في الفترة الأخيرة عمليتين جراحيتين كبيرتين ويعيش اليوم نقاهته مع كثير من الصلوات. يقول “نحن كسريان أرثوذكس نضع لوحات تصويرية للعذراء لكننا نرفض وضع تماثيل لأن لها رموز وثنية. كما نرفض وضع المصلوب على الصليب لأنه مات وقام وصعد إلى السماء. كما أننا لا نسمي العذراء أم الله بل والدة الله لأنه تجسد فيها بلا دنس. ونحن نتشفع للعذراء لكن عبادتنا لله والثالوث الأقدس: الآب والإبن والروح القدس. هم ثلاثة أقانيم في واحد”.

لكلِ جماعة مؤمنة طقوسها. وللعذراء، في كلِها، حضورها. إنها حواء الثانية التي أخرجت الخطيئة من العالم التي أدخلتها إليه حواء الأولى زوجة آدم. كلام كثير نسمعه لكن ما ندركه أننا حين نطلب شفاعتها ونصلي لها، من عمق العمق، نرتاح.

نعود لنسأل عن التسميات الكثيرة للسيدة العذراء؟

ما لا يعرفه كثيرون أن التسميات المختلفة التي تعطى للعذراء تتأتى من “الطلبة” فيخرج مثلاً من يعانون من قلة المياه للصلاة طالبين من العذراء مياهاً، وهكذا ظهرت سيدة الغسالة في القبيات. ومن يقصد المكان اليوم يقرأ على مزار العذراء- مزار سيدة الغسالة- هناك: مثلما تزيل المياه الأوساخ عن الملابس كذلك تساعدنا العذراء بشفاعتها على غسل خطايانا.

في زحلة، سمي أحد مزارات العذراء “سيدة الزلزلة” كون والدة الإله نثرت زوبعة من الغبار في عيون من هاجموها عام 1860. كما سميت السيدة العجائبية بعدما قصدها مصابون بأمراض مستعصية وشفوا. هكذا سُميت العذراء بأسماءٍ وأسماء نسمعها اليوم ونتساءل: من أين أتى الإسم؟ وهل كلها واحدة؟ نعم، العذراء واحدة أما التسميات فأتت من التجارب التي خاضها المؤمنون فظهرت سيدة الرضاعة للنساء المرضعات وسيدة الجيش لحماية الجيش وسيدة الثلج للحماية من العواصف.

أيار ينتهي. تعالوا ننسى كل شيء ونعيش اللحظة. واللحظة لها، للعذراء، في ختام شهرها المريمي. هي أمنا وملجانا. وفي ظلِّ حمايتها نرتاح.

يبقى أنّ لمريم العذراء مكانة عند المسلمين أيضاً، كونها أُولى نساء العالمين. هي الأنثى الوحيدة التي ذكرت في كتاب المسلمين المقدس 37 مرة. لهذا، راحة كثير كثير من اللبنانيين لن تكون إلا بالصلاة والوثوق أنّ والدة الإله- مريم العذراء- قادرة حتى أن تهز جهنم تحت أقدام الشياطين.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us