“هنا لبنان” يكشف التفاصيل كاملة: رحلة بحرية “غير شرعية” تنطلق في 20 حزيران.. فليكن مرفأ طرابلس “تحت الرصد”!


خاص 13 حزيران, 2025

اتّصل بي، طوال شهرين، مرارًا. أبلغني عمّا حصل له. وما حصل له كما في حبكات الأفلام البوليسية الطويلة. هو كان “لا معلّق ولا مطلّق”. أمامه البحر الهائج، ووراءه “اللاشَيء” إلّا الفراغ. تكلّم بلغة الخيبة، وروى قصة عصابة استثمرت في خيبته. عينه كانت على الهجرة اللّاشرعية في البحر من لبنان، وعيون عصابات الهجرة اللّاشرعية كانت عليه. قبل أيام، اتصلتُ به، على رقم هاتفه السوري، مرارًا وتكرارًا. أرسلتُ له رسائل، فلم يُجِبْ. فهل ضاع هو أيضًا في البحر؟

كتبت نوال نصر لـ”هنا لبنان”:

هو سوري. طلب عدم ذكر اسمه خوفًا من العقاب. ومضت على محاولته الدخول في متاهات الهجرة غير الشرعية أشهر. فماذا في قصة الشاب السوري، ربّ الأسرة، الذي جمع كلّ ما لديه من مال واستدان طلبًا لهجرةٍ أدرك أنّها قد تنتهي بين أمواج البحر، وقد تنتهي – كما يتمنّى – في بلاد أوروبا؟ فلنسمّه “الضحية”. رقم هاتفه مقفل، وهو: 00963993877978. فماذا حصل معه؟ وماذا قد يكون يحصل معه اليوم؟ وهل شواطئ لبنان ما زالت تُصدّر مهاجرين غير شرعيين؟

هو سمّى العصابة التي تلاعبت به “أولاد الزانية”. فلماذا استحقّ أفرادها هذه التسمية؟ بدا – من صوته – وكأنّه يستنجد طلبًا لمساعدة، بعد أن دفع كلّ ما بحوزته من مال، أعطاه إلى زوجته التي انتقلت إلى لبنان قبله، لتُنجز معاملات الهجرة. هي أتت إلى لبنان بعدما اتفق مع عصابةٍ يترأسها ظاهريًا – كما قال – أبو عبد الله. وعدَه وخانَه. وآخر رسالة بعثها الضحية لنا، ردّد فيها: “ساعديني، الله يجبر بخاطرك”. حاولتُ وعجزت. فهو يواجه عصابة تبعاتها أخطر حتّى من “لطمات الموج” في عزّ كوانين. فماذا عن رسائله الأولى؟

خيط الأمل الكاذب في “رحلته” صوب المجهول كان إعلانًا فيسبوكيًّا يقول: “إذا ما معك المبلغ كاملًا، حلّك عنّا. إدارة الميناء (في طرابلس لبنان) تعلن عن رحلةٍ مستعجلةٍ في 7 نيسان 2025. للجادّين فقط، التواصل على الرقم: 009613260887. مع تحيات أبو عبد الله”.

اتّصل به. سأله الأخير: “لوين وجهتك خيّي؟”. أجابه الضحية: “إلى ألمانيا”. ردّ أبو عبد الله: “رحلتنا من طرابلس لبنان إلى إيطاليا – جنوة، وسأصدر لك جواز سفر بحريًّا وشهادة صحية بحرية وأوراقًا ثبوتية. أسلّمك الأوراق والمستندات في الميناء. هناك، “يشيّكون” أوراقك – مع عائلتك – وينادون بأسمائكم، فتصعدون على الباخرة برفقة القبطان. وسنزوّدك بإنترنت طوال الرحلة لتتكلّم مع أهلك. ونقدّم لكم ثلاث وجبات طعام. أمّا التصوير فممنوع. مدّة السفر من أربعة إلى ستة أيام. وحين تصلون إلى مرفأ جنوة في إيطاليا، ستأتي سيارة وتقلّكم إلى فندق حتى لا تُنجزوا البصمة. ومن هناك، ستنتقلون إلى ألمانيا أو هولندا. وأنبّه عليكم ألّا تأخذوا معكم سوى حقيبة صغيرة”.

وافق الضحية. ظنّ أنّه يعقد اتفاقًا من الندّ إلى الندّ، ولم يعرف أنّه يتعامل مع عصابةٍ خطيرةٍ. في كلّ الأحوال، طلب منه ربّ العصابة – الظاهر – موعدًا “لتشييك الأوراق”. وكانت الأمور تمشي – حتى الآن – “عال العال”، لكن، أبو عبد الله – بحسب ما قال لنا الضحية – عاد وأقنعه بوجوب التأكّد من توافر المبلغ المالي عند “تشييك الأوراق”. وهذا ما حصل. جمعت زوجته كلّ المستندات المطلوبة وذهبت إلى موعد “التشييك” في خلدة، وبحوزتها مبلغ خمسة آلاف دولار وثمانية ملايين ليرة. وهناك، وصل أفراد من العصابة، وبدل أن “يشيّكوا” على ما معها، سرقوها ورحلوا.

طار صوابه. طار المال، والرّأسمال، والحلم. هرول الضحية في كلّ الاتجاهات. أبلغت زوجته مخفر الشويفات. وهو اتصل بأبو عبد الله، الذي أجابه كما يلي: “أقسم بالله، لم أعلم بما حصل. الموظّف الذي سرقكم هرب وبحوزته 25 ألف دولار، ومن ضمنها دولاراتكم”. انتهى الملف؟

هل انتهى الأمر عند حدّ البلاغ في مخفر الشويفات؟ مرّت الأيام. وآخر اتصال بنا، قبل أسبوعيْن، أبلغنا الضحية بأنّ المخفر لم يتحرّك، وقال لنا بالحرف: “والله العظيم، لا أملك ثمن رغيف خبز”. البارحة، أعدنا الاتصال به. لم يعدْ على السمع. فهل لاحقه الأشرار؟ هل أصبح في البحر؟ هل وصل إلى ألمانيا؟

ملف الهجرة غير الشرعية في البحر يستمرّ مفتوحًا، حتّى ولو حاول البعض اعتباره منتهيًا.

عادل عادل، جدّد تفعيل صفحته على الفيسبوك باسم: “سفر من لبنان إلى إيطاليا في البحر”، بعد أن كان قد أغلقها طوال شهرين ماضيين. والقيّم عليها كتب في 2 حزيران الجاري: “سلام عليكم، سفر من لبنان إلى إيطاليا بعد 20 يومًا. من يحب السفر، فليرسل رقمه على الخاص”. عصابات البحر ما زالت تعمل. أبو عبد الله عاد بدوره يُصدر تصاريح للصعود إلى متن سفن تجارية، وعلى بروفايل رقم هاتفه يظهر أنه يعمل 24 ساعة على 24. طلبنا مساعدته. سألناه عن إجراءات الرحيل، فأعطى نفس المعلومات التي سبق أن تلقاها الضحية. قلنا له، نتكلّم باسم السوري الضحية الذي قال إنّ مكتبك سرقه، فأجاب: “أعوذ بالله، ليس أنا من يفعل هذا. هذا ما قد يحصل في ميناء بيروت، وليس عندي” (في ميناء طرابلس)”. غريب ما قاله. الميناء في مدينة الشمس يبدو وكأنّه ملكٌ له. عدنا وأكدنا له حصول ذلك، فطلب أن نفتح “فيديو” بيننا نحن الثلاثة: السوري الضحية، ونحن، وهو، مشيرًا – بلهجة لبنانية – أنّه يفعل ما يفعله إكرامًا للسوريين الذين لا يملكون المال الوفير. هو يأخذ عن الشخص الواحد 5000 دولار فقط لا غير، والأطفال دون العاشرة يهاجرون مجانًا. “يشيّك” على المبلغ للتأكّد من توافره عبر مكتبٍ دوليّ، ويبقى المبلغ في رصيد أحد أقارب المهاجر، ولا يتقاضاه إلّا بعد أن يصل “الزبون” إلى برّ الأمان. لكن، ماذا لو لم يُسدّد “القريب” المبلغ له؟ يجيب: “أعيد المهاجِر إلى لبنان”. وماذا لو قبضت الدولة على “زبونه” المهاجِر وأعادته؟ يجيب: “أضمن لكل زبائني حصولهم على ملف اللجوء إلى ألمانيا أو هولندا خلال 15 إلى 18 يومًا”.

رحلة أبو عبد الله ستنطلق في 20 هذا الشهر. هو سيكون في انتظار الزبائن – المهاجرين نهارًا – على ما قال – “ويمكنهم الإتيان بمن يشاؤون لتوديعهم”. وهذه الرّحلة يسميها “الرّحلة المساعدة” للسوريين، لكنه يستقبل من شاء من اللبنانيين أيضًا، “فالهجرة حلم أهل بلدنا – كما تعلمون – أيضًا”. ماذا يعني كلّ هذا؟ هذا إشعار وبلاغ لدولة لبنان ولإدارة ميناء طرابلس. اللهمّ أن يقرأ من يُفترض أن يقرأ ويتابع.

السوري – الضحية – لا يزال غائبًا عن السمع. تُرى، هل سافر؟ هل أحرق هاتفه واستسلم؟ وهل اكتفى مخفر الشويفات بوضع شكواه في الدرج؟ نقرأ في آخر رسالة أرسلها: “مستنّي شغل الله”.

عمير، اسم آخر يتردّد في الملف. هو موجود في هولندا، ورقمه: 31645187916+. اتصلنا به مرارًا. رنّ الهاتف، لكنه لم يُجب. السوري الضحية حصل على رقمه على أنّه هو من سيستقبله في هولندا. وقال له: “خيي، إطمئن، كل شي سيتمّ تمام عبر مكاتب دولية لا مكاتب سوداء”.

قضية السوري – الضحية، قضية الكثيرين ممّن “يحلمون” يوميًا بالسفر إلى أوروبا. والحقيقة التي نُعلنها: أنّ الهجرة غير الشرعية ما زالت قائمةً عبر موانئ لبنان، في وقتٍ يعمل النظام السوري الجديد على استيعاب هذه الظاهرة. فلا أحد يقول لنا: توقّفت الهجرة غير الشرعية من لبنان. هي تحصل “على عينك يا تاجر”.

مات من مات. وسيموت من قد يموت، طلبًا لرحيلٍ من مستنقعاتٍ بأسماء دول. هذا ما يحصل تحت عين الشمس، في حين نشهد بياناتٍ تُخبرنا قصصًا عن تفعيل الحماية من عصابات البحر. وبين الواقع والكلام، حقائق وسع البحر.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us