انتخابات خريف 2021 مرآة للانتخابات النيابيّة المقبلة


أخبار بارزة, خاص 26 تشرين الثانى, 2021

كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:

ممّا لاشكّ فيه أنّ الأعين متّجهةٌ نحو ربيع لبنان في العام 2022، كونه سيشكّل نقطةً مفصليّةً في التاريخ السياسيّ لبلدٍ حكمته منظومةٌ سياسيّةٌ فاشلةٌ على مدى عقودٍ وأوصلت دولته إلى إفلاسٍ اقتصاديّ وأوصلت شعبه إلى اليأس. لطالما كانت الأحزاب السياسيّة تسعى من خلال الانتخابات النيابيّة للحصول على أكبر تمثيل في المجلس النيابي؛ غير أنّ الانتخابات المقبلة بدأت ومنذ الشتاء الماضي تشكّل تحدّيًا للمنظومة نفسها سعياً للصّمود بوجه المجتمع المدنيّ والمستقلّين الّذين يحملون راية ثورة الشعب ووجعه. شهد لبنان منذ فترةٍ وجيزة انتخاباتٍ متعدّدةً ومتنوّعةً على الصّعيد الداخليّ ونتائجها تجعل الجميع ينتظرون بحالة ترقّبٍ خيارات الحلفاء وتحالفات الخصوم، وذلك سعياً منهم لخوض الانتخابات بأقلّ أضرار ممكنة وبضمانات لم تكن تُرضيهم بالسابق.

على المستوى الداخليّ صورتان متناقضتان في الشكل؛ فالانتخابات الجامعيّة بشكلٍ عام فازت من خلالها الأحزاب السياسيّة على حساب المجتمعين المدني والعلماني. ففوز “القوات اللّبنانيّة” بانتخابات الجامعة اليسوعيّة وحصدها 49 مقعداً هذا العام أي أكثر من ضعف مقاعدها العام الماضي وتفوّقها على النادي العلماني والوطنيّ الحرّ والكتائب اللّبنانيّة، يرافقه فوزها بانتخابات الجامعة اللّبنانيّة الأميركيّة في جبيل وهذا قد يعكس مدى تأييد الشباب في المجتمع المسيحيّ للقوات. ولو لم تَفُز “حركة أمل” بانتخابات الجامعة اللّبنانيّة الأميركيّة في بيروت، كان باستطاعتنا اعتبار التوجّه الشعبيّ اليوم هو نحو الأحزاب التقليديّة التي تبتعد بشكلٍ أو بآخر عن الحُكم كوننا نلاحظ ضعف تمثيل “التيار الوطنيّ الحرّ” و”حزب اللّه” في الجامعات.

بالمقابل انتخابات نقابة المحامين التي حصلت منذ أيّام في لبنان تُظهر مدى سعي هيئات المجتمع للابتعاد عن المنظومة السياسيّة واختيار المرشّح الأكثر حياداً بنظرهم ليكون نقيباً. والأمر المسلّم به أنّ شعارات الثورة ومرشّح الثورة اليوم في الانتخابات النقابيّة أصبح يُعتبر جزءًا من المرشّحين وأمراً طبيعياً وليس كما حصل في الانتخابات السابقة حيث كان مرشّح الثورة يشكّل حالة خاصة وتميّزاً نوعياً في الانتخابات النقابيّة.

ومع فوز “ناضر كسبار” المرشّح الحياديّ كما أجمع الجميع وسعي بعض الأحزاب السياسيّة التي كانت بحالة مراقبة وترقّب لدعمه وتبنّي نجاحه، ظهر مدى عدم قدرة الأحزاب السياسيّة حسم موقفها كما كانت تفعل في السابق ممّا يعكس ضعفها، تشتّتها وعدم استطاعتها ضمان الفوز. وهذا ما قد ينعكس في الانتخابات الأخيرة حيث أنّ الأحزاب قد تلجأ إلى تبنّي فوز المستقلّين في حال لم تستطع الوصول إلى التمثيل المناسب داخل المجلس النيابي.

أمّا على المستوى الخارجي فالإقبال الكثيف لمشاركة الناخبين المغتربين في الانتخابات المقبلة، إذ تخطّى عددهم الـ 244 ألف ناخب، مقابل تسجيل 92.810 ناخب لانتخابات العام 2018 صوّت منهم 46.799 مقترع، له بُعدان الأول سلبيّ والثاني إيجابيّ. فالبُعد الأول يجعلنا نطرح السؤال عن مدى استطاعة الناخب المغترب حُسن اختيار المرشّح الأفضل وبشكل مجرّد، غير متأثّر بآراء أهله الموجودين داخل لبنان وبعيداً عن المحسوبيات السياسيّة والتوريث السياسيّ الذي يجد لنفسه مكانًا آمنًا في ذهن ونفس معظم الشعب اللّبناني، وحُسن الاختيار لا يرتبط فقط بالجذور بل أيضاً بموضوعيّة الإعلام في لبنان، حيث تجسّد القنوات اللّبنانيّة خلال فترة الانتخابات صوت الدولة من خلال تجميل مواقف أفرداها السياسيّة وتلميع سيرة المرشّحين، مُغفلةً بمعظمها النظر إلى قانون الانتخاب وشروطه التي تحدد معايير الحملة الانتخابيّة للمرشّح. ولا ننسى الجولات الانتخابيّة لرؤساء الأحزاب في دول الاغتراب التي قرّبت المسافة وكسرت الحواجز بين الناخبين في الخارج ونهج وعقيدة رئيس الحزب الذي جعل من الناخب المغترب يقتنع ببرنامج الحزب؛ وخير دليل على ما ذُكر الجولات الكثيرة التي قام بها العام 2018 رئيس حزب القوات الّلبنانيّة سمير جعجع والتي جعلت 8568 ناخبًا يقترعون لصالح القوات اللبنانيّة لكي تحصد أعلى معدّل أصوات وتلاها 8206 صوت للتيار الوطني الحرّ الذي لم يكن نشاط رئيسه أقلّ بكثير من نشاط رئيس القوات. بينما لم يحصد المجتمع المدني سوى 2379 صوتًا.

ومن ناحية أخرى، الإقبال الكثيف على التسجيل للمشاركة بالانتخابات النيابيّة عام 2022 يعكس رغبة المغترب بالتغيير في ظلّ الأوضاع المأساويّة التي يعاني منها لبنان بالإضافة إلى الهجرة الحديثة وخاصةً لفئة الشباب التي تتمتّع بالوعي الكافي لاختيار المرشّح الأفضل بعيداً عن المحسوبيات العائليّة والسياسيّة.

من هنا نبقى اليوم بحالة ترقّب بانتظار التحالفات السياسيّة وأي صورة ستظهرها هذه التحالفات! فهل سيستطيع المجتمع المدني اختيار المرشّحين المناسبين أو أنّ المرشّحين لن يكونوا على مستوى توقعات وآمال الشعب اللّبناني الذي سئِم من وضعه؟

وبين انتصار الأحزاب السياسيّة التي ازدادت النقمة الشعبية عليها بسبب الوضع الراهن، أو اختباء الأحزاب خلف المستقلّين وتبنّي نجاحاتهم وهو احتمالٌ تعلو أسهمه خاصةً في الفترة الأخيرة؛ ما علينا سوى الانتظار لأنّ كلّ يوم يحمل معه مفاجأة ستُكلّل بنتائج الانتخابات النيابيّة في ربيع 2022 والوقت كفيل بتحديد التحالفات.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us