لودريان أو “الخطأ المزدوج”

ترجمة “هنا لبنان”

كتب يوسف معوض لـ”Ici Beyrouth“:

لم ينتظر نواب الرئيس بري زملاءهم لأداء واجبهم. أما السياديون في المقابل فانشغلوا بالثغرات في مهمة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان. فهل يمكن النظر لهذا الوضع كدليل على تراجع في التحالفات؟

الوضع الحالي يبعث على الذهول.. يقول أحد المعلقين الحاذقين: “لا أدري أين اقترف لودريان، وزير الخارجية السابق والدبلوماسي الحكيم، خطأ في إدارة ملف الانتخابات الرئاسية اللبنانية، بعد فشل الاقتراح الفرنسي الأولي الذي دفع باتجاه تبني مرشح حزب الله للرئاسة مقابل رئيس وزراء إصلاحي. آمل ألا يضر هذا الخطأ المزدوج بنفوذ فرنسا في لبنان خصوصاً في ظل النكسات مع الأسف في النيجر ومالي وبوركينا فاسو”.

يمكن اختصار الوضع بهذا الشكل، ولكن مع ذلك، هل يسهل تفسير رد الفعل المفاجئ لبعض المسؤولين المنتخبين تجاه المبادرة الفرنسية، والتي ربما لم تكن تتطلب هذا القدر من البلبلة على أي حال.

رد فعل يفتقر للاتساق وللتبرير

وتجدر الإشارة إلى أن لودريان، وجه في إطار مهمته الدبلوماسية، بصفته مبعوثاً خاصاً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 15 آب، رسالة إلى مختلف النواب والزعماء السياسيين يدعوهم فيها لمشاركة رؤيتهم الخاصة بمواصفات الرئيس الجديد وأولويات فترة الست سنوات التي تشكل ولايته. لكن الأمور اتخذت منحى سيئاً إذ تبين أن النهج المذكور كان غير عادي بالنسبة للبعض لدرجة أنه فاجأ أكثر من مسؤول. نواب الكتائب والقوات اللبنانية طعنوا في هذا الإجراء، وحتى وضاح الصادق، نائب التغيير، رفض أن يرضخ للعبة، معتبراً أن في الرسالة “اعتداءً على سيادة لبنان وبرلمانه”. وربما كانت الأمور لتتخذ منحى أسوأ بعد لولا ردة فعل شخص بثقل مروان حمادة الذي اعتبر أن ردود أفعال السياديين غير مبررة.

فهل كان ذلك نتيجة سوء تفسير أم قراءة خاطئة وغير مدروسة أم هو رد فعل غير محسوب؟ وإلا فهل فرنسا بصدد قلب تحالفاتها على الساحة اللبنانية؟ ربما يميل المرء لتصديق ذلك في ظل موقف حركة أمل التي رحبت بأي جهد صادق في خدمة لبنان رداً على آخر الجهود المبذولة في إطار المبادرة الفرنسية. وهل من تفسير آخر؟ أليس “للاستبيان” الفرنسي صدى في الممارسات الاستقصائية لنائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام؟

ولنتذكر أن الأخير، أجبر في تلك الأيام التي تحكم فيها بمصائر اللبنانيين، جميع مواطنينا على اجتياز امتحان بمجرد التقدم لشغل مناصب رسمية معينة. وحسب محسن دلول، لم يفلت حتى العماد ميشال عون، القائد الأعلى للجيش آنذاك، من هذا التمرين المهين من أجل أن يحصل على الضوء الأخضر من دمشق في سباقه المحموم للوصول إلى رئاسة الجمهورية. ولنتذكر أيضاً أن سوريا، والأميركيون معها، فضلت المرحوم مخايل ضاهر، الذي كان سيجتاز الاختبار المذكور بنجاح أكبر. وبالطبع لم يحدث بعدها إلا ما كتب له أن يحدث!

بالتأكيد، “لبنان ليس وحيداً… وفرنسا تقف دائما بجانبه”.. هذا ما أعلنه الرئيس ماكرون، للتأكيد على الحضور وعلى التضامن الدائم في الأوقات الصعبة. وفي الواقع، منذ أيام جاك شيراك، الذي زار بيروت أربع مرات، أصبحت الدبلوماسية الفرنسية في بلادنا “دبلوماسية الإشارة الحصرية”، كما أسماها جان فرانسوا داغوزان.

ولكن حذار، تنتهج فرنسا قبل كل شيء سياسة عربية، والبعض يخطئ، كما قال الرئيس ميتران للعماد ميشال عون في آب 1989، بتصور أن البحرية الفرنسية على أتم الجهوزية أو هي رهن إشارتهم. وكان هذا الأخير قد ادعى، عبر موجات الأثير، دعم البحرية الملكية في مبارزته المرتجلة مع المدفعية السورية. كان ذلك جزءًا من “حرب التحرير” التي شنها في آذار من العام نفسه. ويستحسن أن يعود السياديون لدينا للتأمل في هذا الرد الذي يلخص موقف فرنسا الرسمية.

وإذا أردنا التأكيد على النهج “الديغولي الجديد” والطوعي للرئيس ماكرون، فلا يمكن التظاهر بتجاهل النظام الجديد للسياسة الفرنسية الذي “يعتزم أخذ التغيرات في المجتمع اللبناني المتعدد الطوائف في الاعتبار”.. باختصار، فرنسا هي حامية لبنان، وليس فقط مسيحيي لبنان، كما كان الحال عليه في الماضي.

“ميونيخيون” بيننا؟

مع ذلك، يبدو أن الابتزاز الذي يقوم به الثنائي الشيعي، من خلال الإصرار “إما مرشحنا وإما لا أحد”، يستند للمهلة الفرنسية النهائية، حيث أتى مصدر دبلوماسي ليذكّر كل من يهمه الأمر بأن فرنسا قدمت اقتراحاً للوساطة والتسهيل. وإن لم يرغب اللبنانيون بتلقفها فستكتب لها النهاية.

وبطبيعة الحال، لا شك بأن لفرنسا مصالحها. لكن هل يعني هذا أن سياسة الاسترضاء تجاه حزب الله تؤتي ثمارها؟ لا يزال الحوار الشامل الذي تطالب به قوى 8 آذار كشرط مسبق لتسوية الأزمة، أحد تلك المطالب التي لا يتم تلبيتها إلا بالازدراء، وهو الازدراء الذي قوبل له تشامبرلين ودالادييه في ميونيخ. لن يتم إنشاء “إطار لتعزيز الإجماع بين اللبنانيين للخروج من المأزق الرئاسي” من خلال مصيدة ِالملالي. وكما لم يكن علينا استرضاء هتلر في العام 1938، لا يمكننا “إعادة إنتاج أخطاء الماضي، أي القبول، باسم السياسة الواقعية، بالتنازلات التي لن تؤدي إلا لإطالة أمد الواقع القاتل والذي لا يطاق. الأمر لا يتطلب إلا الحزم ولا يمكن لمن ينحنون أمام الابتزاز الظفر قط بالاحترام”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us