المارونية: الوجه والوجه الآخر!

ترجمة هنا لبنان 9 شباط, 2024

ترجمة “هنا لبنان”

كتب فادي نون لـ “Ici Beyrouth“:

لطالما عرفت المارونية بصورتها التي تعكس الفرادة. وللموارنة شخصيتهم الخاصة المطبوعة بالقوة وإن جاز التعبير، برفض الإنصياع للقيود.. يدرك الطلاب اللاهوتيون في الكسليك هذه الصورة جداً وقد سمعوا ما شابه هذا التوصيف على لسان أسقف البترون الماروني، منير خير الله. ولا حرج طبعاً بالتمتع بهذه الصورة، لكنها سيف ذو حدين.. فالوجه الآخر لها هو عدم الامتثال لقيد الجماعة، وهذا ما قد يحول في بعض السياقات، مركز القوة لنقطة ضعف.

ولطالما اختبر الموارنة على مرّ السنين وفقًا للأسقف، تعقيدات مع السلطة وصولاً في لبنان لخسارتها مع تفويضها إليهم. وهذا ما يدفعه ليستنكر (على غرار أي متابع مستنير)، في هذا السياق، عجزهم المؤسف عن التوافق على مرشح لرئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية ميشال عون. وكأن ذلك يبيّن لنبيه بري أن المسيحيين ربما تاهوا عن دورهم وباتوا يسعون جميعاً للسلطة.

وبالعودة للتاريخ، أدرك فؤاد شهاب، مؤسس الجيش اللبناني، في صورة الموارنة هذا الخلل الأساسي الذي يعيق أكثر من أي شيء آخر، النضج السياسي والتنمية الاقتصادية المتوازنة للبنان ولمجتمعه الإنساني. وكان شهاب قد طلب في العام 1960 بعد انتخابه رئيساً للجمهورية (عام 1958)، من الأب لويس جوزيف لوبريه مؤسس “إيرفد”، إجراء دراسة اجتماعية واقتصادية في جميع أنحاء البلاد. وتمحور العمل بين عامي 1960 و1964، بشكل خاص حول قضايا إصلاح الدولة وتجديد النخب والتنمية الاقتصادية والاجتماعية واحترام المؤسسات والعيش المشترك في مجتمع معقد يتميز بثقل الزبائنية والطائفية السياسية.

“أكثر ما ينقصنا في لبنان”

في نهاية تحقيق “إيرفيد”، خلص لوبريه، حسب ما نقل عنه، إلى أن أكثر ما ينقصنا في لبنان، حتى أكثر من الماء والطرقات والكهرباء، هو تكريس الناس للعمل بشكل كامل للصالح العام وتضافر جهودهم على جميع المستويات لحل مشاكل التنمية الاقتصادية والتنمية البشرية. كما حذر من ضعف التنمية في لبنان وفقدانه التماسك الداخلي في حال لم تتغير عقلية النخب اللبنانية الشابة أو لم تهب نسمة تحمل ثورة فكرية وأخلاقية جديدة. وهذا يعني بالتالي فقدان لبنان دوره كرسالة وكمركز حضاري. فوجود لبنان واستمراريته يرتبطان في الأساس بالطبيعة الإنسانية، ولا يمكن الرهان على النجاح في حال تفاقمت النزعة الفردية المحمومة على حساب الجودة الإنسانية.. ما تحتاج إليه الروح والأمة اللبنانية هو البعد الجماعي الوطني والعالمي.

“سبب الوجود والاستمرار”

هذه الكلمات الأساسية نقلت على لسان رجل غيور على مصلحة لبنان ويتوخى نقل إرث مهمة إرفد بشكل وفي. فهي تسطّر بشكل خاص تلك النزعة الفردية التي تتجلى آثارها على جميع مستويات وجودنا الوطني، من الطوابع الضريبية إلى الشهادات، ومن شبكة الكهرباء إلى جمع الإيصالات، ومن الضرائب وصولاً لجمع القمامة.

وتكاثر “قصص النجاح” للبنانيين في الخارج إثبات آخر، فبغض النظر عن مجالات النجاحات (عالم الرياضة أو الموضة أو الأعمال أو العلوم أو الفن أو القضاء)، تبقى أشبه بالماء في الغربال، ولا طائل منها في بناء الأمة، بل ربما جل ما تجلبه هو حنين وحسرة إلى ما كانت ربما ستؤول إليه الأحوال لو تواجدنا في مكان آخر.

الأب لوبريه، الذي ألهم عمله بولس السادس في منشوره البابوي العام حول تنمية الشعوب (Populorum Progressio )، شدد على سبب وجود لبنان ومساهمته على مستوى العالم. وههنا تذكير بتخلفنا عن الركب. وللتذكير، سبق أن قال ديغول في خطاب ألقاه في جامعة القديس يوسف أن إنقاذ روح لبنان كما قال الأب لوبريه، يتطلب تنمية حس الجماعة على حساب حس القبيلة. وهذا يعني تنمية حس الدولة. ومن أجل إنقاذ لبنان لا بد وأن تسود روح الخدمة الجماعية والعون المتبادل. تلك هي بالفعل ثقافتنا وتراثنا، والترياق ضد “الفردانية المحمومة” التي ابتليت بها حياتنا الوطنية، حتى تسللت المصلحة الخاصة إلى المصلحة العامة. الحل يكمن في معرفة أن خدمة الذات تعني خدمة الآخر.

تشير كلمة “لبننة” منذ خمسين عامًا تقريباً، إلى التفريق وتجزئة البلاد. فهل هذه الصورة التي نطمح لحملها للعام؟ بالطبع لا! في النهاية، ومع كامل الاحترام لتعريفات قاموس Larousse، لبنان لم يخضع للتقسيم وحدوده صامدة وستصمد. ومن ثم، كل الطوائف مجتمعة فيه، وقد تشربنا كلمات يوحنا بولس الثاني الذي رأى في “لبنان أكثر من وطن، بل رسالة ونموذج للتعددية والتسامح بين الشرق والغرب”.

وعلى الرغم من المساعي الحثيثة لإثبات العكس والمهانة التي نتكبدها نتيجة أخذ الحياة الوطنية رهينة وتعريضها للشلل، نحاول في العمق، الحفاظ على النموذج الحقيقي في لبنان وإثباته أمام العالم. ففي النهاية، ألا نختبر وطأة المعاناة منذ عام 2019، معاً؟ وألا يمكن القول بأن المصيبة تجمعنا كلنا بشكل من الأشكال بغض النظر عن اختلاف انتماءاتنا؟ لا يمكن لكل ذلك أن يضيع هباءً، بشرط أن نواظب على تحدي الخوف وأن نعثر على الشجاعة لإدانة كل الدجالين، سواء أتوا من الشرق أو الغرب، ليبقى لبنان نموذج التعددية والهوية المستقاة من جذورنا.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar