“صنع في لبنان”: فخر أم خداع؟

ترجمة هنا لبنان 17 أيار, 2024

كتب نيكولا صبيح لـ”Ici Beyrouth“:

في حال اعتدتم التسوق في المتاجر الكبيرة، لا شك وأنكم لاحظتم في السنوات الأخيرة، تغييراً على مستوى تنوع المنتجات على الرفوف. فالكثير من العلامات التجارية التي لم تكن موجودة عادت منذ فترة قصيرة لتملأ الرفوف. وذلك لأنّ التجار والمستوردين اضطروا في كثير من الأحيان للاعتماد على مصادر جديدة بما يتلاءم مع فقرنا الجديد. لذلك فقدت العلامات التجارية الشهيرة بعض بريقها، ودخلت في منافسة مع البضائع التي يصنفها البعض ضمن البدائل.

كل ذلك جليّ ولكن وضوحاً أقل يحيط بما يعرف بالعلامات التجارية اللبنانية، الجديدة أو القديمة، والتي تطرح أسئلة حول ماهيتها. ومن الأمثلة على العلامات التجارية الغذائية اللبنانية (كما تصنفها محال السوبر ماركت): الوادي الأخضر من مجموعة Obégi و Plein Soleil من مجموعة حلواني؛ Carry من Charcutier حصراً؛ ثم سيبلو ولاميزا وديروني وكابتن فيشر وبيهار ومونارك ولا بيارا وتاج وفرومر ودومو ودولسي وباريستا وسواها.
هي بعض الأمثلة على علامات تجارية تغطي مجموعة واسعة جداً من المنتجات عالية الجودة.
ومع ذلك، بمجرد النظر إلى الجزء الخلفي لأغلفة معظم المواد التي يفترض أنها ضمن فئة “صنع في لبنان”، يمكن رؤية أنّ المنتجات لا هي مصنعة في لبنان ولا هي أصلاً مصنعة من قبل الشركة المذكورة. وفي هذا السياق، تم إحصاء ما يصل إلى 25 مصدراً ودولة مختلفة. فهل يمكننا حقاً افتراض أن الصناعة اللبنانية تشهد ازدهاراً يدعو للفخر أم هل يشوب ذلك نوع من الخداع؟
في الحقيقة، لم تعد الصناعة كما كانت لفترة طويلة في السابق، وما عاد حتى من الضروري امتلاك مصانع للإنتاج. لا بل في كثير من الحالات، بات من الأفضل الاستعانة بمصادر خارجية للإنتاج، ولكن بشكل حاسم، مع الحفاظ على السيطرة. على سبيل المثال، في صناعة المنتج الغذائي، يجب أن يشمل التحكم مجموعة كاملة من العوامل: جانب الذوق والنظافة والتكلفة والجودة وتقنية التصنيع والمعايير الدولية، وما إلى ذلك.
ويوفر التعاقد للمجال مرونة لا يمكن للمرء الحصول عليها في حال تولى نفسه العملية: تغيير المنتج وإجراء تعديلات فورية وتعديل الكمية. وبالإمكان على سبيل المثال، تحمل إنتاج كميات صغيرة من منتج رئيسي.
مثال صغير للتوضيح: قبل بضع سنوات خلت، قام أحد الصناعيين اللبنانيين بإنتاج عصير فريد مستخلص من الفاكهة الأجنبية، في فرنسا. وعلى الرغم من أن الكمية محدودة حكماً لمثل هذا السوق، كانت البضاعة فريدة من نوعها، ونجحت العملية. وهذا ما لم يكن ممكناً في حال تكفل المصنع لوحده بكل شيء ولما كان الربح ليغطي حتى تكلفة الآلات.
ما الذي يمكن تعلمه من هذه التجربة؟ يمكن تعلم أنه على المصنّع التركيز على الجزء الذي يتمتع فيه بميزة نسبية، من أجل بلوغ مستوى من التميز في هذا المجال والتمسك به حتى ولو تطلب ذلك التعاقد مع الخارج.
ومن الأمثلة المحلية إلى الدولية منها، تقوم شركة Apple بإنتاج وبيع 250 مليون هاتف خلوي سنوياً. وهي في الواقع، لا تصنع أي شيء على الإطلاق. بل يتم تصنيع معظم هذه الأجهزة في الصين من خلال التعاقد مع. Foxconn ويأتي الباقي من بلدان مختلفة في نفس المنطقة. فهل تعتبر Apple شركة أميركية أم صينية؟ صناعية أم تجارية؟ لا فرق، إنها مجرد طريقة جديدة لابتكار منتج ثمين.
وبالمثل، تتكون سيارة Renault من أجزاء تأتي من عشرات المصادر المختلفة، ولا تنتج السيارة بأكملها في إسبانيا أو تركيا أو سلوفينيا.
وبالعودة للوضع في لبنان، هذا الاتجاه ليس مجرد خيار، بل أقرب للضرورة. لماذا؟ بداية، لأن تكاليفنا الصناعية مرتفعة، بالنظر إلى إبداعنا المزدوج: أولاً، على مستوى أسوأ البنى التحتية في العالم (الكهرباء والمياه وما إلى ذلك) وثانياً على مستوى واحدة من أسوأ طرق الإدارة العامة.
بالإضافة إلى ذلك، علينا أن نواجه حقيقة أنه لا يوجد منتج مكتفٍ ذاتياً، من حيث القيمة المطلقة. وفي لبنان، الوضع أسوأ، لأن هناك نقصاً في كل شيء.
فالمنتج المحلي حتى كمربى المشمش المحلي الصنع مثلاً، يحتاج لاستيراد السكر والبرطمانات الزجاجية والأغطية المعدنية وورق الملصقات ووقود الطهي والنقل… وأحياناً حتى المواد الخام نفسها (المشمش)، في حال لم يؤت الحصاد ثماره.

كل ذلك يدفع بالعلامات التجارية اللبنانية إلى التعاقد مع الخارج، لتأمين حاجة الاستهلاك الداخلي وكذلك للتصدير. على أي حال، من المربح بشكل أكبر إنتاج علب الحمص في كندا للسوق الكندية وأمريكا الشمالية، مقارنة بتصديرها من لبنان.
ما الذي قد نستنتجه من كل ذلك؟ في حقبة ما بعد العصر الصناعي هذه، اقتصاد المعرفة هو العنصر الحاسم . وهو ما يحدد قيمة المنتج، سواء كان هاتف Apple أو سيارة Renault، أو حمص الوادي الأخضر، أو حتى استشارة قانونية.

ولا شك بأن ذلك قد يبدو معقداً للغاية بالنسبة للعقول الصغيرة في السلطة.. تلك التي تريد “إعطاء الأولوية للقطاعات الإنتاجية في لبنان الغد”، دون أن تبرهن في الأصل قدرتها على توفير تيار كهربائي، اخترع في القرن التاسع عشر. تلك العقول نفسها التي لا ترسي سيادة القانون، ولا تنوي بأي شكل الحد من فسادها أو من ابتزازها الإداري على الإطلاق.
كم بات البقاء تحت ظلم الجهلة طوال الوقت مؤلماً!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us